[الْفَتَاوَى الْقُرْآنِيَّةُ] [سُورَةُ الْفَاتِحَةِ] [سبب افتتاح القرآن الكريم بها]
سُورَةُ الْفَاتِحَةِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مَسْأَلَةٌ: وُجِدَ فِي بَعْضِ التَّفَاسِيرِ فِي قَوْلِهِ فِي سُورَةِ الْفَاتِحَةِ: افْتَتَحَ سُبْحَانَهُ كِتَابَهُ بِهَذِهِ السُّورَةِ ; لِأَنَّهَا جَمَعَتْ جَمِيعَ مَقَاصِدِ الْقُرْآنِ، وَلِذَلِكَ مِنْ أَسْمَائِهَا أُمُّ الْقُرْآنِ، وَأُمُّ الْكِتَابِ وَالْأَسَاسُ فَصَارَتْ كَالْعُنْوَانِ، وَالْمَقْصُودُ بَيَانُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّفْصِيلِ وَالتَّبْيِينِ.
الْجَوَابُ: هَذَا الْكَلَامُ قَدْ تَكَلَّمْتُ عَلَيْهِ فِي عِدَّةٍ مِنْ تَصَانِيفِي مِنْهَا: الْإِتْقَانُ فِي عُلُومِ الْقُرْآنِ، وَمِنْهَا: الْإِكْلِيلُ فِي اسْتِنْبَاطِ التَّنْزِيلِ، وَمِنْهَا: قَطْفُ الْأَزْهَارِ فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ، وَمِنْهَا: حَاشِيَةُ الْبَيْضَاوِيِّ، وَأَنَا أُلَخِّصُ ذَلِكَ هُنَا فَأَقُولُ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: إِنَّمَا افْتَتَحَ سُبْحَانَهُ كِتَابَهُ بِهَذِهِ السُّورَةِ ; لِأَنَّهَا جَمَعَتْ جَمِيعَ مَقَاصِدِ الْقُرْآنِ فَنَاسَبَ الِافْتِتَاحُ بِهَا ; لِأَنَّهَا تَصِيرُ كَبَرَاعَةِ الِاسْتِهْلَالِ وَهِيَ الْإِتْيَانُ أَوَّلَ الْكَلَامِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ عَلَى وَجْهِ الْإِجْمَالِ، وَكَالْعُنْوَانِ، وَالْمُرَادُ بِالْعُنْوَانِ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَدِيعِ يُسَمَّى بِذَلِكَ، قَالَ ابن أبي الأصبع فِي بَدَائِعِ الْقُرْآنِ: الْعُنْوَانُ أَنْ يَأْخُذَ الْمُتَكَلِّمُ فِي غَرَضٍ فَيَأْتِي لِقَصْدِ تَكْمِيلِهِ وَتَأْكِيدِهِ بِأَمْثِلَةٍ فِي أَلْفَاظٍ تَكُونُ عُنْوَانًا لِأَخْبَارٍ مُتَقَدِّمَةٍ وَقِصَصٍ سَالِفَةٍ، وَمِنْهُ نَوْعٌ عَظِيمٌ جِدًّا وَهُوَ عُنْوَانُ الْعُلُومِ بِأَنْ يَذْكُرَ فِي الْكَلَامِ أَلْفَاظٌ تَكُونُ مَفَاتِيحَ الْعُلُومِ، وَمَدَاخِلَ لَهَا - هَذَا كَلَامُ ابن أبي الأصبع، وَالْفَاتِحَةُ لِكَوْنِهَا جَامِعَةً لِجَمِيعِ مَقَاصِدِ الْقُرْآنِ، وَفِيهَا الْإِشَارَةُ إِلَى جَمِيعِ الْأَخْبَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ بَدْءِ الْخَلْقِ وَالْأُمَمِ السَّالِفَةِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَغَيْرِهِمْ، وَفِيهَا الْإِشَارَةُ إِلَى مَفَاتِيحِ الْعُلُومِ وَمَدَاخِلِهَا مِنْ أُصُولِ الدِّينِ وَالْفِقْهِ وَالتَّصَوُّفِ، وَهَذِهِ الْعُلُومُ الثَّلَاثَةُ هِيَ أَجَلُّ الْعُلُومِ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الَّذِي يَصِحُّ بِهِ الْإِيمَانُ، وَالثَّانِيَ هُوَ الَّذِي تَصِحُّ بِهِ الْأَعْمَالُ، وَالثَّالِثَ هُوَ الَّذِي تَتِمُّ بِهِ مَحَاسِنُ الْأَخْلَاقِ وَيَصِلُ إِلَى حَضْرَةِ الْخَلَّاقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute