الْكُفْرِ وَالْكَذِبِ الْبَيِّنِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا حَكَاهُ عَنْهُمْ، وَلَمْ يَحْكِ عَنْهُمْ شَيْئًا يُنَاسِبُ الِاصْطِفَاءَ وَالِاخْتِصَاصَ الْمُوجِبَ لِنَبُّوتِهِمْ بَلِ الَّذِي حَكَاهُ يُخَالِفُ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا حَكَاهُ عَنْ يُوسُفَ، ثُمَّ إِنَّ الْقُرْآنَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ أَهْلَ مِصْرَ نَبِيٌّ قَبْلَ مُوسَى سِوَى يُوسُفَ لِآيَةِ غَافِرٍ، وَلَوْ كَانَ مِنْ إِخْوَةِ يُوسُفَ نَبِيٌّ لَكَانَ قَدْ دَعَا أَهْلَ مِصْرَ وَظَهَرَتْ أَخْبَارُ نُبُوَّتِهِ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ نَبِيٌّ، فَهَذِهِ وُجُوهٌ مُتَعَدِّدَةٌ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا.
وَقَدْ ذَكَرَ أَهْلُ السِّيَرِ أَنَّ إِخْوَةَ يُوسُفَ كُلَّهُمْ مَاتُوا بِمِصْرَ وَهُوَ أَيْضًا، وَأَوْصَى بِنَقْلِهِ إِلَى الشَّامِ فَنَقَلَهُ مُوسَى.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْغَلَطَ فِي دَعْوَى نُبُوَّتِهِمْ حَصَلَ مِنْ ظَنِّ أَنَّهُمْ هُمُ الْأَسْبَاطُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إِنَّمَا الْأَسْبَاطُ ذُرِّيَّتُهُمُ الَّذِينَ قُطِّعُوا أَسْبَاطًا مِنْ عَهْدِ مُوسَى، كُلُّ سِبْطٍ أُمَّةٌ عَظِيمَةٌ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْأَسْبَاطِ أَبْنَاءَ يَعْقُوبَ لَقَالَ: وَيَعْقُوبَ وَبَنِيهِ فَإِنَّهُ أَوْجَزُ وَأَبْيَنُ، وَاخْتِيرَ لَفْظُ الْأَسْبَاطِ عَلَى لَفْظِ بَنِي إِسْرَائِيلَ؛ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ النُّبُوَّةَ إِنَّمَا حَصَلَتْ فِيهِمْ مِنْ حِينِ تَقْطِيعِهِمْ أَسْبَاطًا مِنْ عَهْدِ مُوسَى، هَذَا كُلُّهُ كَلَامُ ابن تيمية، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[سُورَةُ الْحِجْرِ]
مَسْأَلَةٌ:
مَا الْقَوْلُ يَا عَالِمَ الْعَصْرِ الَّذِي شَهِدَتْ ... بِفَضْلِهِ فِرَقُ الْأَعْجَامِ وَالْعَرَبِ
فِي قَوْلِ رَبِّ الْعُلَا فِيمَا حَكَاهُ لَنَا ... فِي سُورَةِ الْحِجْرِ عَنْ قَوْمٍ أُولِي نَسَبِ
مُسْتَثْنِيًا فِي نَجَاةِ آلِ لُوطِهِمُ ... بِجَمْعِهِمْ يَا أُولِي الْأَحْلَامِ وَالرُّتَبِ
مُسْتَثْنِيًا ثَانِيًا فِي قَوْلِهِ امْرَأَةً ... مُقَرِّرًا أَنَّهَا فِي غَابِرِ الْحِقَبِ
مَا حُكْمُ الَاوَّلِ وَالثَّانِي وَذِكْرِهِمَا ... فِي آيَةٍ نَسَقًا يُفْضِي إِلَى السَّبَبِ
مَا الشَّأْنُ فِيهِ أَبِنْ لَا زِلْتَ تُرْشِدُنَا ... فِي الْمُشْكِلَاتِ وَمَا تُبْدِيهِ مِنْ عَجَبِ
أَنَالَكَ اللَّهُ جَنَّاتِ النَّعِيمِ إِذَا ... هَالَ الْحِسَابُ وَظَلَّ النَّاسُ فِي كَرَبِ
ثُمَّ الصَّلَاةُ عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ مُضَرٍ ... حَامِي الْبَرِّيَّةِ مَاحِي الشِّرْكِ وَالرِّيَبِ
وَآلِهِ الْغُرِّ وَالْأَصْحَابِ مَا طَلَعَتْ ... شَمْسُ الضُّحَى وَحَدَا حَادٍ عَلَى قَتَبِ
الْجَوَابُ:
حَمْدًا لِمَنْ أَنْزَلَ الْقُرْآنَ بِالْعَرَبِي ... مُفَصَّلَ الْقَوْلِ مَحْضًا غَيْرَ ذِي أَشَبِ