[بَسْطُ الْكَفِّ فِي إِتْمَامِ الصَّفِّ]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا يَقْطَعُ مَنْ وَصَلَهُ، وَلَا يَنْصُرُ مَنْ خَذَلَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَفْضَلُ نَبِيٍّ أَرْسَلَهُ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الطَّائِفَةِ الْمُكَمَّلَةِ، وَبَعْدُ
فَقَدْ سُئِلْتُ عَنْ عَدَمِ إِتْمَامِ الصُّفُوفِ، وَالشُّرُوعِ فِي صَفٍّ قَبْلَ إِتْمَامِ صَفٍّ، فَأَجَبْتُ بِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ لَا تَحْصُلُ بِهِ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ، ثُمَّ وَرَدَتْ إِلَيَّ فَتْوَى فِي ذَلِكَ فَكَتَبْتُ عَلَيْهَا مَا نَصُّهُ: لَا تَحْصُلُ الْفَضِيلَةُ وَبَيَانُ ذَلِكَ بِتَقْرِيرِ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ مَكْرُوهٌ، الثَّانِي أَنَّ الْمَكْرُوهَ فِي الْجَمَاعَةِ يُسْقِطُ فَضِيلَتُهَا، فَأَمَّا الْأَوَّلُ: فَقَدْ صَرَّحُوا بِذَلِكَ حَيْثُ قَالُوا فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّخَطِّي يُكْرَهُ إِلَّا إِذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ فُرْجَةٌ لَا يَصِلُ إِلَيْهَا إِلَّا بِالتَّخَطِّي فَإِنَّهُمْ مُقَصِّرُونَ بِتَرْكِهَا إِذْ يُكْرَهُ إِنْشَاءُ صَفٍّ قَبْلَ إِتْمَامِ مَا قَبْلَهُ، وَيَشْهَدُ لَهُ مِنَ الْحَدِيثِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «أَتِمُّوا الصُّفُوفَ مَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ فَفِي الْمُؤَخَّرِ» ) رَوَاهُ أبو داود.
وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ: لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي رُكُوعِ غَيْرِ الْأَخِيرَةِ فَالْمُحَافَظَةُ عَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَوْلَى مِنَ الْمُبَادَرَةِ إِلَى الْإِحْرَامِ لِإِدْرَاكِ الرَّكْعَةِ، وَأَمَّا كَوْنُ كُلِّ مَكْرُوهٍ فِي الْجَمَاعَةِ يُسْقِطُ الْفَضِيلَةَ، فَهَذَا أَمْرٌ مَعْرُوفٌ مُقَرَّرٌ مُتَدَاوَلٌ عَلَى أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ، يَكَادُ يَكُونُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، هَذَا آخِرُ مَا كَتَبْتُ، وَقَدْ أَرَدْتُ فِي هَذِهِ الْأَوْرَاقِ تَحْرِيرَ مَا قُلْتُ، بَعْدَ أَنْ تَعْرِفَ أَنَّ الْفَضِيلَةَ الَّتِي نَعْنِيهَا هِيَ التَّضْعِيفُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ بِبِضْعٍ وَعِشْرِينَ لَا أَصْلَ بَرَكَةِ الْجَمَاعَةِ، وَسَيَأْتِي تَقْرِيرُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، ثُمَّ الْكَلَامُ أَوَّلًا فِي تَحْرِيرِ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ مَكْرُوهٌ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ، قَالَ النووي فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ الْجَمَاعَةِ: اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَلَى اسْتِحْبَابِ سَدِّ الْفُرَجِ فِي الصُّفُوفِ، وَإِتْمَامِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ، ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ إِلَى آخِرِهَا، وَلَا يُشْرَعُ فِي صَفٍّ حَتَّى يَتِمَّ مَا قَبْلُهُ - هَذِهِ عِبَارَتُهُ.
وَلَا يُقَابِلُ الْمُسْتَحَبُّ إِلَّا الْمَكْرُوهَ، فَإِنْ قِيلَ يُقَابِلُهُ خِلَافُ الْأَوْلَى قُلْتُ: الْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا، وَإِنَّمَا فَرَّقَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَمَنْ تَابَعَهُ، الثَّانِي أَنَّ الْقَائِلِينَ بِهِ قَالُوا: هُوَ مَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ دَلِيلٌ خَاصٌّ، وَإِنَّمَا اسْتُفِيدَ مِنَ الْعُمُومَاتِ، وَالْمَكْرُوهُ: مَا وَرَدَ فِيهِ دَلِيلٌ خَاصٌّ، وَهَذَا قَدْ وَرَدَتْ فِيهِ أَدِلَّةٌ خَاصَّةٌ فَضْلًا عَنْ دَلِيلٍ وَاحِدٍ، فَمِنْ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute