وَأَمَّا سُقُوطُ الْقِرَاءَةِ، فَلَا سَبِيلَ إِلَيْهِ جَزْمًا ; لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْذُورٍ أَصْلًا، بَلْ عِنْدِي أَنَّهُ لَوْ قِيلَ بِأَنَّ هَذَا التَّخَلُّفَ مُبْطِلٌ لِفُحْشِهِ لَمْ يَبْعُدْ لَكِنْ لَا مُسَاعِدَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَنْقُولِ، حَيْثُ صَرَّحُوا بِأَنَّ التَّخَلُّفَ بِرُكْنٍ، وَلَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَا يُبْطِلُ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ رُكْنٍ وَرُكْنٍ، وَالْجَرْيُ عَلَى إِطْلَاقِهِمْ أَوْلَى.
مَسْأَلَةٌ: مَأْمُومٌ شَكَّ فِي السَّجْدَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ آخِرِ صَلَاتِهِ، وَهُوَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فَهَلْ يَسْجُدُهَا قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ أَوْ لَا يَسْجُدُهَا إِلَّا بَعْدَ سَلَامِهِ لِأَجْلِ الْمُتَابَعَةِ، فَإِنْ قُلْتُمْ بِأَنَّهُ يَسْجُدُهَا قَبْلُ أَوْ بَعْدُ وَخَالَفَ فَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ؟ .
الْجَوَابُ: الَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ يَسْجُدُهَا عِنْدَ التَّذْكِيرِ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ، فَلَا يَتَأَخَّرُ إِلَى بَعْدِ سَلَامِهِ، وَأَكْثَرُ مَا يَقُولُ الْقَائِلُ بِأَنَّهُ يَتَأَخَّرُ أَنَّهُ كَمَنْ رَكَعَ مَعَ الْإِمَامِ، ثُمَّ شَكَّ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، وَلَا يَصِحُّ هَذَا الْقِيَاسُ ; لِأَنَّهُ فِي صُورَةِ الرُّكُوعِ انْتَقَلَ مِنْ رُكْنٍ فِعْلِيٍّ إِلَى رُكْنٍ فِعْلِيٍّ، وَمُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِيهِ وَاجِبَةٌ، وَهُنَا لَمْ يَنْتَقِلْ أَصْلًا، بَلِ الْجُلُوسُ الَّذِي هُوَ فِيهِ هُوَ جُلُوسٌ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ اسْتَمَرَّ فِيهِ، وَلَمْ يَنْتَقِلْ عَنْهُ وَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُ أَخَذَ فِي أَلْفَاظِ التَّشَهُّدِ، فَهُوَ إِتْيَانٌ بِرُكْنٍ قَوْلِيٍّ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، لَا أَنَّهُ انْتِقَالٌ، وَأَيْضًا فَمَسْأَلَةُ الرُّكُوعِ لَمْ يَتَخَلَّفْ فِيهَا عَنْ شَيْءٍ فَعَلَهُ الْإِمَامُ، فَإِنَّهُ أَتَى بِالْقِيَامِ الَّذِي أَتَى بِهِ الْإِمَامُ وَأَكْثَرُ مَا تَرَكَ الْفَاتِحَةَ وَالْأَذْكَارَ الْقَوْلِيَّةَ لَا فُحْشَ فِي مُخَالَفَةِ الْإِمَامِ فِيهَا، وَهُنَا قَدْ فَعَلَ الْإِمَامُ سُجُودًا لَمْ يَفْعَلْهُ هُوَ، وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِهِ بِحَقِّ الْمُتَابَعَةِ وَالْمَشْيِ عَلَى تَرْتِيبِ صَلَاتِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ عِنْدَ تَذَكُّرِهِ، وَأَيْضًا فَمَسْأَلَةُ الرُّكُوعِ لَوْ عَادَ فِيهَا كَانَ فِيهَا فِعْلُ قِيَامٍ ثَانٍ وَرُكُوعٍ ثَانٍ، وَفِي هَذَا مُخَالَفَةٌ فَاحِشَةٌ لِلْإِمَامِ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ، وَأَيْضًا فَرُكْنُ الْقِرَاءَةِ أَضْعَفُ مِنْ رُكْنِ السُّجُودِ ; لِأَنَّ السُّجُودَ مُجْمَعٌ عَلَى وُجُوبِهِ، وَلَا يَسْقُطُ بِحَالٍ، وَالْقِرَاءَةُ خَلْفَ الْإِمَامِ مِنَ الْأَئِمَّةِ مَنْ لَا يُوجِبُهَا وَتَسْقُطُ عِنْدَنَا فِي صُوَرٍ كَالْمَسْبُوقِ وَنَحْوِهِ، وَأَيْضًا فَقَدِ اغْتَفَرُوا فِي الرُّكْنِ الْقَوْلِيِّ مَا لَمْ يَغْتَفِرُوا فِي الْفِعْلِيِّ مِنْ جَوَازِ التَّقَدُّمِ بِهِ وَالتَّأَخُّرِ بِهِ وَعَدَمِ الْإِبْطَالِ بِتَكَرُّرِهِ وَنَقْلِهِ - فَهَذِهِ خَمْسَةُ فُرُوقٍ بَيْنَ مَسْأَلَةِ تَذَكُّرِ الْفَاتِحَةِ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَبَيْنَ مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَتَأَخَّرُ فَلَوْ تَأَخَّرَ كَانَ مِنْ بَابِ تَطْوِيلِ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute