وَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ بَعْدَ سَلَامِهِ، وَلَيْسَ بِوَاضِحٍ أَيْضًا ; لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ رَكْعَةٍ فِي الصَّلَاةِ لَا نَقُولُ بِلُزُومِهَا، وَأَمْرًا بِالرُّكُوعِ قَبْلَ إِتْمَامِ الْفَاتِحَةِ، وَهُوَ بِسَبِيلٍ مِنْ أَنْ يُتِمَّهَا إِنْ قُلْنَا، وَالْحَالَةُ هَذِهِ بِوُجُوبِ إِتْمَامِهَا.
مَسْأَلَةٌ: مَأْمُومٌ اشْتَغَلَ عَنِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ بِالسُّجُودِ الَّذِي قَبْلَهُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ السُّجُودِ وَجَدَ الْإِمَامَ قَدْ تَشَهَّدَ وَقَامَ، فَمَا الَّذِي يَفْعَلُهُ الْمَأْمُومُ هَلْ يَتَشَهَّدُ، ثُمَّ يَقُومُ، أَوْ يَتْرُكُ التَّشَهُّدَ وَيَقُومُ؟ وَإِذَا قُلْتُمْ: إِنَّهُ يَقُومُ وَيَتْرُكُ التَّشَهُّدَ فَهَلْ هُوَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ حَتَّى لَوْ خَالَفَهُ وَتَشَهَّدَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إِنْ كَانَ عَالِمًا عَامِدًا أَمْ لَا؟ وَإِذَا قُلْتُمْ: إِنَّهُ يَتَشَهَّدُ فَهَلْ هُوَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ أَيْضًا ; لِأَنَّ إِمَامَهُ كَانَ فَعَلَهُ أَمْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ؟.
فَإِنْ قُلْتُمْ: أَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ فَخَالَفَهُ، وَلَمْ يَتَشَهَّدْ فَمَا تَرَتَّبَ عَلَى هَذِهِ الْمُخَالَفَةِ، وَإِذَا قُلْتُمْ إِنَّهُ يَتَشَهَّدُ وُجُوبًا، أَوِ اسْتِحْبَابًا، فَفَعَلَ التَّشَهُّدَ وَقَامَ فَوَجَدَ الْإِمَامَ قَدْ رَكَعَ فَهَلْ يَرْكَعُ مَعَهُ وَتَسْقُطُ عَنْهُ الْقِرَاءَةُ أَمْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَخَلَّفَ وَيَقْرَأَ وَيَكُونَ مُتَخَلِّفًا بِعُذْرٍ؟ وَإِذَا قُلْتُمْ بِسُقُوطِ الْقِرَاءَةِ فَمَا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى سُقُوطِهَا عَنِ الْمَسْبُوقِ وَيَتَصَوَّرُ سُقُوطَهَا عَنْ غَيْرِ الْمَسْبُوقِ وَذَلِكَ كُلُّ مَوْضِعٍ حَصَلَ لَهُ عُذْرٌ تَخَلَّفَ بِسَبَبِهِ عَنِ الْإِمَامِ بِأَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ وَزَالَ عُذْرُهُ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ، كَمَا لَوْ كَانَ بَطِيءَ الْقِرَاءَةِ، أَوْ نَسِيَ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ، أَوِ امْتَنَعَ مِنَ السُّجُودِ بِسَبَبِ زَحْمَةٍ، أَوْ شَكٍّ بَعْدَ رُكُوعِ إِمَامِهِ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، فَإِنَّ الْمَسْؤُولَ عَنْهُ ظَاهِرُهُ مُبَايِنٌ لِهَذَا الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ إِنْ قُلْتُمْ بِسُقُوطِهَا إِذْ لَيْسَ فِيهِ تَخَلُّفٌ بِأَرْكَانٍ؟ وَمَا مَعْنَى التَّخَلُّفِ بِأَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ، فَإِنَّهُ مُبْطِلٌ وَالْمَسْؤُولُ إِيضَاحُ ذَلِكَ؟ .
الْجَوَابُ: قَدْ تَرَدَّدَ نَظَرِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَرَّاتٍ، وَالَّذِي تَحَرَّرَ لِي بِطَرِيقِ النَّظَرِ تَخْرِيجًا أَنَّ لَهُ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ: - الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ هَذَا لِبُطْءِ الْقِرَاءَةِ فَتَأَخَّرَ لِإِتْمَامِ الْفَاتِحَةِ وَفَرَغَ مِنْهَا قَبْلَ مُضِيِّ الْأَرْكَانِ الْمُعْتَبَرَةِ، وَأَخَذَ فِي الرُّكُوعِ وَمَا بَعْدَهُ فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ السُّجُودِ قَامَ الْإِمَامُ مِنَ التَّشَهُّدِ، وَهَذَا حُكْمُهُ وَاضِحٌ فِي التَّخَلُّفِ لِلتَّشَهُّدِ، وَسُقُوطُ الْقِرَاءَةِ عَنْهُ إِذَا قَامَ وَقَدْ رَكَعَ الْإِمَامُ ظَاهِرٌ.
- الثَّانِي أَنْ يَكُونَ أَطَالَ السُّجُودَ غَفْلَةً وَسَهْوًا، وَهَذَا لَا سَبِيلَ إِلَى تَرْكِهِ التَّشَهُّدَ ; لِأَنَّهُ لَزِمَهُ بِالْمُتَابَعَةِ لَكِنَّ الْأَوْجَهَ عِنْدِي أَنَّهُ يَجْلِسُ جُلُوسًا قَصِيرًا، وَلَا يَسْتَوْعِبُ التَّشَهُّدَ ; لِأَنَّهُ لَا يُلْزِمُهُ بِحَقِّ الْمُتَابَعَةِ إِلَّا الْجُلُوسُ دُونَ أَلْفَاظِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ جَلَسَ مَعَ الْإِمَامِ سَاكِتًا كَفَاهُ، فَإِنْ قَامَ، وَقَدْ رَكَعَ الْإِمَامُ فَفِي سُقُوطِ الْقِرَاءَةِ عَنْهُ نَظَرٌ لِعَدَمِ صِدْقِ الضَّابِطِ عَلَيْهِ.
- الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ أَطَالَ السُّجُودَ عَمْدًا، وَهَذَا أَوْلَى مِنَ الْحَالِ الثَّانِي بِتَقْصِيرِ الْجُلُوسِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute