فِيهِ أَنَّ الْمُقْطَعَ أَحَقُّ بِهِ مَا دَامَ يَتَرَدَّدُ وَيَرْجِعُ إِلَيْهِ، فَإِنْ أَعْرَضَ عَنْهُ وَتَرَكَهُ فَلِلْغَيْرِ أَنْ يَجْلِسَ فِيهِ، وَإِنِ اشْتَغَلَ عَنْهُ بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَحَقُّهُ قَائِمٌ فِيهِ لَيْسَ لِلْغَيْرِ أَنْ يَجْلِسَ مَكَانَهُ، وَإِذَا مَرِضَ أَوْ غَابَ إِنْ كَانَتِ الْمُدَّةُ قَصِيرَةً لَمْ يَكُنْ لِلْغَيْرِ أَنْ يَجْلِسَ مَكَانَهُ، وَإِنْ طَالَتِ الْمُدَّةُ فَلِلْغَيْرِ الْجُلُوسُ مَكَانَهُ وَلَا يَمْلِكُهُ الْمُقْطَعُ بِحَالٍ إِذْ لَيْسَ فِيهِ أَثَرُ عِمَارَةٍ وَلَا عَيْنُ مَالٍ بِخِلَافِ الْمَوَاتِ وَالْمَعَادِنِ الْبَاطِنَةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ انْتَهَى.
فَهَذِهِ عِبَارَاتُ مَشَاهِيرِ أَئِمَّةِ الْأَصْحَابِ لَيْسَ فِيهَا تَعَرُّضٌ لِتَشْبِيهِهِ بِالْمُتَحَجِّرِ حَتَّى يُتَوَهَّمَ أَنْ يَأْتِيَ فِي الْمُتَعَدَّى عَلَيْهِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْمُتَعَدِّي عَلَى الْمُتَحَجِّرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ مُؤَلِّفُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَلَّفْتُهُ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ.
[الْجَهْرُ بِمَنْعِ الْبُرُوزِ عَلَى شَاطِئِ النَّهْرِ]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى، وَقَعَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ أَنَّ رَجُلًا لَهُ بَيْتٌ بِالرَّوْضَةِ عَلَى شَاطِئِ النِّيلِ أَصْلُهُ قَدِيمٌ عَلَى سَمْتِ جُدْرَانِ بُيُوتِ الْجِيرَانِ الْأَصْلِيَّةِ ثُمَّ أَحْدَثَ فِيهِ مِنْ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً بُرُوزًا ذَرَعَهُ إِلَى صَوْبِ الْبَحْرِ نَحْوَ عِشْرِينَ ذِرَاعًا بِالذِّرَاعِ الشَّرْعِيِّ، بِحَيْثُ خَرَجَ عَنْ سَمْتِ بُيُوتِ الْجِيرَانِ الْقَدِيمَةِ، ثُمَّ أَرَادَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ أَنْ يُحْدِثَ فِيهِ بُرُوزًا ثَانِيًا قُدَّامَ ذَلِكَ الْبُرُوزِ الْأَوَّلِ مُتَّصِلًا بِهِ فَحَفَرَ لَهُ أَسَاسًا ذَرَعَهُ إِلَى صَوْبِ الْبَحْرِ سِتَّةَ عَشَرَ ذِرَاعًا بِالذِّرَاعِ الشَّرْعِيِّ بِحَيْثُ يَصِيرُ مَجْمُوعُ الْبُرُوزَيْنِ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ ذِرَاعًا وَاقِعَةً فِي حَرِيمِ النَّهْرِ وَأَرْضِهِ الَّتِي هِيَ عِنْدَ احْتِرَاقِ النِّيلِ مَشْرَعٌ لَهُ وَطَرِيقٌ لِلْوَارِدِينَ وَالْمَارِّينَ، فَقُلْتُ لَهُ: لَا يَحِلُّ لَكَ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ فَشَنَّعَ عَلَيَّ فِي الْبَلَدِ أَنِّي أَفْتَيْتُ بِهَدْمِ بُيُوتِ الرَّوْضَةِ، وَهَذَا كَذِبٌ مَحْضٌ وَإِشَاعَةٌ بَاطِلَةٌ، فَإِنَّ الْبُيُوتَ الْقَدِيمَةَ الْبَاقِيَةَ عَلَى أُصُولِهَا لَا يَحِلُّ التَّعَرُّضُ لَهَا وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْبُرُوزِ الْحَادِثِ وَمَا يُرَادُ إِحْدَاثُهُ الْآنَ، وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَظُنُّونَ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ: جَوَازُ الْبُرُوزِ مُطْلَقًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ شَرْطُهُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي شَارِعٍ، وَلَا فِي حَرِيمِ نَهْرٍ، وَلَا نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَقَدْ وَقَعَ فِي حَيَاةِ شُيُوخِنَا أَنَّ أَيْبَكَ الخاصكي بَنَى بَيْتًا بِمِصْرَ تُجَاهَ جَامِعِ الرَّيِّسِ وَبَرَزَ فِيهِ عَلَى شَاطِئِ النَّهْرِ فَاسْتَفْتَى الشَّيْخَ الْإِمَامَ الْعَلَّامَةَ الْمُحَقِّقَ جلال الدين المحلي الشافعي فَأَفْتَى بِمَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ شُطُوطَ الْأَنْهَارِ لَا تُمْلَكُ وَلَا يَجُوزُ إِحْيَاؤُهَا وَلَا الْبِنَاءُ فِيهَا، وَهَذَا هُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute