للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سُورَةُ الْمُدَّثِّرِ]

مَسْأَلَةٌ: فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ} [المدثر: ٣٤] هَلْ لَهُ تَعَلُّقٌ بِضَوْءِ الشَّمْسِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ لِلنَّهَارِ ضَوْءٌ غَيْرُ ضَوْءِ الشَّمْسِ مُخْتَصٌّ بِهِ أَمْ لَا نُورَ لَهُ وَلَا ضَوْءَ أَصْلًا؟ وَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: ١٨٧] ؟ وَهَلِ الْوَارِدُ فِي الْحَدِيثِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ نُورَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَزَّأَهُ أَرْبَعَةَ أَجْزَاءٍ فَخَلَقَ مِنَ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ الْعَرْشَ، وَخَلَقَ مِنَ الْجُزْءِ الثَّانِي الْقَلَمَ، وَخَلَقَ مِنَ الثَّالِثِ اللَّوْحَ، ثُمَّ قَسَّمَ الْجُزْءَ الرَّابِعَ وَجَزَّأَهُ أَرْبَعَةَ أَجْزَاءٍ، وَخَلَقَ مِنَ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ الْعَقْلَ، وَخَلَقَ مِنَ الْجُزْءِ الثَّانِي الْمَعْرِفَةَ، وَخَلَقَ مِنَ الْجُزْءِ الثَّالِثِ نُورَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَنُورَ الْأَبْصَارِ وَنُورَ النَّهَارِ، وَجَعَلَ الْجُزْءَ الرَّابِعَ تَحْتَ سَاقِ الْعَرْشِ مَدْخُورًا يَقْتَضِي أَنَّ نُورَ الشَّمْسِ غَيْرُ نُورِ النَّهَارِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: ١] أَنَّ الضُّحَى هُنَا هُوَ النَّهَارُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا} [الشمس: ٣] ؟ وَهَلْ هُمَا غَيْرَانِ أَمْ لَا؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ وَابْسُطُوا الْجَوَابَ أَثَابَكُمُ اللَّهُ الْجَنَّةَ.

الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى، الصُّبْحُ فِي اللُّغَةِ: هُوَ الْفَجْرُ كَذَا فِي الصِّحَاحِ، وَأَسْفَرَ مَعْنَاهُ: أَضَاءَ، كَذَا أَخْرَجَهُ ابن المنذر فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ قَتَادَةَ، وَإِذَا تَعَلَّقَ بِهَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ لَمْ يَكُنْ لِلْآيَةِ تَعَلُّقٌ بِضَوْءِ الشَّمْسِ، وَمُقْتَضَى الْأَدِلَّةِ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ، وَكَلَامِ الْأَئِمَّةِ فِي تَفْسِيرِ الْآيَاتِ، وَكَلَامِ أَهْلِ اللُّغَةِ مُخْتَلِفٌ، مِنْهُ مَا يَشْهَدُ؛ لِأَنَّ النَّهَارَ نُورُهُ غَيْرُ نُورِ الشَّمْسِ، وَمِنْهُ مَا يَشْهَدُ لِأَنَّ نُورَهُ نُورُهَا، فَمِنَ الْأَوَّلِ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ السدي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام: ١] قَالَ: الظُّلُمَاتُ: ظُلْمَةُ اللَّيْلِ، وَالنُّورُ: نُورُ النَّهَارِ، فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ النَّهَارَ لَهُ نُورٌ حَيْثُ أَضَافَهُ إِلَيْهِ وَقَابَلَهُ بِظُلْمَةِ اللَّيْلِ، وَلَيْسَ سَبَبُهُ الشَّمْسَ كَمَا أَنَّ ظُلْمَةَ اللَّيْلِ لَيْسَ لَهَا سَبَبٌ نَشَأَتْ عَنْهُ، وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي الْآيَةِ قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ قَبْلَ الْأَرْضِ، وَخَلَقَ الظُّلْمَةَ قَبْلَ النُّورِ وَخَلَقَ الْجَنَّةَ قَبْلَ النَّارِ، وَأَخْرَجَ ابن المنذر عَنْ أبي عبيد فِي الْآيَةِ قَالَ: النُّورُ الضَّوْءُ، فَهَذَانِ صَرِيحَانِ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالنُّورِ ضَوْءٌ خَلَقَهُ اللَّهُ عَلَى حِيَالِهِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالشَّمْسِ وَلَا بِغَيْرِهَا، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ عكرمة قَالَ: سُئِلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>