وَالِاخْتِيَارِيَّةِ فَإِنَّكَ تُمَيِّزُ بَيْنَهُمَا لَا مَحَالَةَ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ، فَإِذَا تَقَرَّرَ تَعَدُّدُ الِاعْتِبَارِ فَمَدُّهُمْ فِي الطُّغْيَانِ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَأَضَافَهُ إِلَيْهِ، وَمِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ وَاقِعًا مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِيَارِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِالْكَسْبِ إِضَافَةً إِلَيْهِمْ، انْتَهَى، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهُ: صِفَةُ الْإِرَادَةِ لِلْعَبْدِ هِيَ الْقَصْدُ.
فَهَذَا تَحْرِيرُ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الِاخْتِيَارَ الْمَنْسُوبَ إِلَى الْعَبْدِ هُوَ قَصْدُهُ لِذَلِكَ الْفِعْلِ وَتَوَجُّهُهُ إِلَيْهِ بِرِضًا مِنْهُ وَإِرَادَةٍ لَهُ وَكَوْنُهُ لَمْ يَفْعَلْهُ بِإِلْجَاءٍ وَلَا إِكْرَاهٍ وَلَا قَسْرٍ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَافْهَمْ تَرْشَدْ.
مَسْأَلَةٌ: هَلِ الْعَقْلُ أَفْضَلُ مِنَ الْعِلْمِ الْحَادِثِ أَمِ الْعِلْمُ؟ الْجَوَابُ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ اخْتَلَفَ فِيهَا الْعُلَمَاءُ وَرَجَّحُوا تَفْضِيلَ الْعِلْمِ ; لِأَنَّ الْبَارِيَ تَعَالَى يُوصَفُ بِصِفَةِ الْعِلْمِ وَلَا يُوصَفُ بِصِفَةِ الْعَقْلِ، وَمَا سَاغَ وَصْفُهُ تَعَالَى بِهِ أَفْضَلُ مِمَّا لَمْ يَسُغْ، وَإِنْ كَانَ الْعِلْمُ الَّذِي يُوصَفُ بِهِ تَعَالَى قَدِيمًا وَوَصْفُنَا حَادِثٌ، فَإِنَّ الْبَارِيَ لَا يُوصَفُ بِصِفَةِ الْعَقْلِ أَصْلًا وَلَا عَلَى جِهَةِ الْقِدَمِ، وَمِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى تَفْضِيلِ الْعِلْمِ أَنَّ مُتَعَلِّقَهُ أَشْرَفُ، وَأَنَّهُ وَرَدَ بِفَضْلِهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ وَحَسَنَةٌ وَلَمْ يَرِدْ فِي فَضْلِ الْعَقْلِ حَدِيثٌ وَكُلُّ مَا يُرْوَى فِيهِ مَوْضُوعُ كَذِبٌ، وَكَانَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ محيي الدين الكافيجي يَقُولُ: الْعَقْلُ أَفْضَلُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ [أَقْرَبَ إِلَى الْإِفْضَاءِ إِلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ، وَالْعَقْلُ أَفْضَلُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ] مَنْبَعًا لِلْعِلْمِ وَأَصْلًا لَهُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ فَضِيلَةَ الْعِلْمِ بِالذَّاتِ وَفَضِيلَةَ الْعَقْلِ بِالْوَسِيلَةِ لِلْعِلْمِ.
[مَبْحَثُ النُّبُوَّاتِ]
مَسْأَلَةٌ: كَمْ عَدَدُ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ؟ الْجَوَابُ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ: «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَبِيًّا كَانَ آدَمُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: كَمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نُوحٍ؟ قَالَ: عَشَرَةَ قُرُونٍ، قَالَ: كَمْ بَيْنَ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ؟ قَالَ: عَشَرَةَ قُرُونٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمْ كَانَتِ الرُّسُلُ؟ قَالَ: ثَلَاثَمِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ» ، رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، والحاكم عَنْ أبي ذر قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمِ الْأَنْبِيَاءُ؟ قَالَ: مِائَةُ أَلْفِ نَبِيٍّ وَأَرْبَعَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute