للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنْقُولُ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ إِمَامُنَا الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَسَائِرُ أَصْحَابِهِ، وَلَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا فِي الْمَذْهَبِ بَلْ وَلَا فِي بَقِيَّةِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ، بَلِ الْأَئِمَّةُ وَأَتْبَاعُهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ. وَهَذِهِ نُبْذَةٌ مِنْ نُقُولِ الْأَئِمَّةِ فِي ذَلِكَ.

[ذِكْرُ نُقُولِ مَذْهَبِنَا]

قَالَ الرافعي فِي الشَّرْحِ، والنووي فِي الرَّوْضَةِ: حَرِيمُ الْمَعْمُورِ لَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ. وَالْحَرِيمُ هُوَ الْمَوَاضِعُ الْقَرِيبَةُ الَّتِي يُحْتَاجُ إِلَيْهَا لِتَمَامِ الِانْتِفَاعِ، كَالطَّرِيقِ وَمَسِيلِ الْمَاءِ وَنَحْوِهِ، ثُمَّ تَكَلَّمَا عَلَى حَرِيمِ الدَّارِ وَحَرِيمِ الْقَرْيَةِ ثُمَّ قَالَا: وَالْبِئْرُ الْمَحْفُورَةُ فِي الْمَوَاتِ حَرِيمُهَا الْمَوْضِعُ الَّذِي يَقِفُ فِيهِ النَّازِحُ وَمَوْضِعُ الدُّولَابِ وَمُتَرَدَّدُ الْبَهِيمَةِ وَمَصَبُّ الْمَاءِ وَالْمَوْضِعُ الَّذِي يُجْتَمَعُ فِيهِ لِسَقْيِ الْمَاشِيَةِ وَالزَّرْعِ مِنْ حَوْضٍ وَنَحْوِهِ، وَالْمَوْضِعُ الَّذِي يُطْرَحُ فِيهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ غَيْرُ مَحْدُودٍ، وَإِنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ كَذَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، وَالْأَصْحَابُ، وَفِي وَجْهٍ حَرِيمُ الْبِئْرِ قَدْرُ عُمْقِهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَبِهَذَا يُقَاسُ حَرِيمُ النَّهْرِ - هَذَا كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ، ثُمَّ قَالَا بَعْدَ ذَلِكَ: عِمَارَةُ حَافَاتِ هَذِهِ الْأَنْهَارِ مِنْ وَظَائِفِ بَيْتِ الْمَالِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُبْنَى عَلَيْهَا قَنْطَرَةٌ لِعُبُورِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ انْتَهَى.

وَقَالَ الشَّيْخُ تقي الدين السبكي فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ مَا نَصُّهُ: فَرْعٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، لَا حَرِيمَ لِلنَّهْرِ، وَعَنْ أبي يوسف ومحمد: لَهُ حَرِيمٌ، وَهُوَ مَذْهَبُنَا قَالَ: وَرَأَيْتُ فِي دِيَارِ مِصْرَ مِنَ الْفُقَهَاءِ مَنْ يَسْتَنْكِرُ الْعَمَايِرَ الَّتِي عَلَى حَافَاتِ النِّيلِ، وَيَقُولُ: إِنَّهُ لَا يَجُوزُ إِحْيَاؤُهَا قَالَ: وَهَذَا قَدْ عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ، قَالَ: وَإِذَا رَأَيْنَا عِمَارَةً عَلَى حَافَةِ نَهْرٍ لَا نُغَيِّرُهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا وُضِعَتْ بِحَقٍّ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الِابْتِدَاءِ أَوْ فِيمَا عُرِفَ حَالُهُ، ثُمَّ قَالَ: وَمِمَّا عَظُمَتِ الْبَلْوَى بِهِ اعْتِقَادُ بَعْضِ الْعَوَامِّ أَنَّ أَرْضَ النَّهْرِ مِلْكُ بَيْتِ الْمَالِ وَهَذَا أَمْرٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ كَالْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ إِقْطَاعُهَا وَلَا تَمْلِيكُهَا بَلْ هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَالْمَعَادِنُ الظَّاهِرَةُ إِنَّمَا امْتَنَعَ التَّمَلُّكُ وَالْإِقْطَاعُ فِيهَا لِشَبَهِهَا بِالْمَاءِ وَبِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ إِقْطَاعِ مَشَارِعِ الْمَاءِ لِاحْتِيَاجِ جَمِيعِ النَّاسِ إِلَيْهَا فَكَيْفَ يُبَاعُ، قَالَ: وَلَوْ فُتِحَ هَذَا الْبَابُ لَأَدَّى إِلَى أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَشْتَرِي أَنْهَارَ

<<  <  ج: ص:  >  >>