للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَسْأَلَةٌ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} [البقرة: ١٦٨] هَلْ يَصِحُّ نَصْبُ حَلَالًا عَلَى التَّمْيِيزِ؟

الْجَوَابُ: لَا يَصِحُّ، بَلْ هُوَ حَالٌ أَوْ مَفْعُولٌ بِهِ.

[سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ]

مَسْأَلَةٌ: الْمَسْئُولُ مِنْ صَدَقَاتِكُمْ، فَسَّحَ اللَّهُ فِي أَجَلِكُمْ بَيَانُ مَعْنَى قَوْلِ الْإِمَامِ الْبَيْضَاوِيِّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: ٢٦] ذَكَرَ الْخَيْرَ وَحْدَهُ ; لِأَنَّهُ الْمَقْضِيُّ بِالذَّاتِ وَالشَّرُّ مَقْضِيٌّ بِالْعَرَضِ؛ إِذْ لَا يُوجَدُ شَرٌّ جُزْئِيٌّ مَا لَمْ يَتَضَمَّنْ خَيْرًا كُلِّيًّا -بَيَانًا شَافِيًا.

الْجَوَابُ: لَا شَكَّ أَنَّ الشَّرَائِعَ كُلَّهَا مُتَّفِقَةٌ عَلَى النَّظَرِ إِلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ، وَكَذَا أَحْكَامُ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ جَارِيَةٌ عَلَى سُنَنِ ذَلِكَ، وَإِنْ خَفِيَ وَجْهُ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ فِي كَثِيرٍ مِنْهَا ; وَلِهَذَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: " «لَا تَتَّهِمِ اللَّهَ عَلَى نَفْسِكَ» " فَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ اللَّهَ قَدَّرَ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ كَانَ مَظِنَّةً أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: كَيْفَ قَدَّرَ الشَّرَّ وَهُوَ خِلَافُ مَا عُلِمَ نَظَرُهُ إِلَيْهِ شَرْعًا وَقَدَرًا؟ وَهَذِهِ هِيَ الشُّبْهَةُ الَّتِي تَمَسَّكَ بِهَا الْمُعْتَزِلَةُ، وَالْجَوَابُ: أَنَّ الشَّرَّ الْيَسِيرَ إِذَا كَانَ وَسِيلَةً إِلَى خَيْرٍ كَثِيرٍ كَانَ ارْتِكَابُهُ مَصْلَحَةً لَا مَفْسَدَةً، أَلَا تَرَى أَنَّ الْفَصْدَ وَالْحِجَامَةَ وَشُرْبَ الدَّوَاءِ الْكَرِيهِ، وَقَطْعَ السِّلْعَةِ وَنَحْوَهَا مِنَ الْأُمُورِ الْمُؤْلِمَةِ لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً إِلَى حُصُولِ الصِّحَّةِ؟ يَحْسُنُ ارْتِكَابُهُ فِي مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ، وَيُعَدُّ خَيْرًا لَا شَرًّا، وَصِحَّةً لَا مَرَضًا، لِاسْتِلْزَامِهِ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ كُلُّ مَا قَضَاهُ اللَّهُ مِنَ الشَّرِّ فَإِنَّمَا قَضَاهُ بِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ، وَهُوَ وَسِيلَةٌ إِلَى خَيْرٍ أَعْظَمَ وَأَعَمَّ نَفْعًا ; وَلِهَذَا وَرَدَ: " «لَا تَكْرَهُوا الْفِتَنَ فَإِنَّ فِيهَا حَصَادَ الْمُنَافِقِينَ» "، وَوَرَدَ: " «لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَخِفْتُ عَلَيْكُمْ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ؛ الْعُجْبَ الْعُجْبَ» " فَتَقْدِيرُ الذُّنُوبِ وَإِنْ كَانَ شَرًّا فَلَيْسَتْ لِكَوْنِهَا مَقْصُودَةً فِي نَفْسِهَا بَلْ لِغَيْرِهَا وَهُوَ السَّلَامَةُ مِنْ دَاءِ الْعُجْبِ الَّتِي هِيَ خَيْرٌ عَظِيمٌ.

قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: وَلِهَذَا قِيلَ: يَا مَنْ إِفْسَادُهُ إِصْلَاحٌ يَعْنِي أَنَّ مَا قَدَّرَهُ مِنَ الْمَفَاسِدِ فَلِتَضَمُّنِهِ مَصَالِحَ عَظِيمَةً اغْتُفِرَ ذَلِكَ الْقَدْرُ الْيَسِيرُ فِي جَنْبِهَا لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً إِلَيْهَا، وَمَا أَدَّى إِلَى الْخَيْرِ فَهُوَ خَيْرٌ، فَكُلُّ شَرٍّ قَدَّرَهُ اللَّهُ لِكَوْنِهِ لَمْ يُقْصَدْ بِالذَّاتِ بَلْ بِالْعَرَضِ لِمَا يَسْتَلْزِمُهُ مِنَ الْخَيْرِ الْأَعْظَمِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ أَنَّهُ خَيْرٌ فَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ: {بِيَدِكَ الْخَيْرُ} [آل عمران: ٢٦] فَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي وَجْهِ أَنَّهُ شَامِلٌ لِمَا قَصَدَ أَصْلًا، وَلِمَا وَقَعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>