للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجَوَابُ: مِنَ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ فِي الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ صَاحِبَ الْحَالِ وَالْحَالَ يُشْبِهَانِ الْمُبْتَدَأَ وَالْخَبَرَ، فَلِذَلِكَ السَّبَبِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْحَالِ وَاحِدًا وَيَتَعَدَّدُ حَالُهُ، كَمَا يَكُونُ الْمُبْتَدَأُ وَاحِدًا وَالْخَبَرُ مُتَعَدِّدٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْحَالِ مُتَعَدِّدًا وَالْحَالُ مُتَعَدِّدٌ أَوْ مُتَّحِدٌ، وَيُشْتَرَطُ وُجُودُ الرَّابِطِ لِكُلٍّ مِنَ الضَّابِطَيْنِ، كَمَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ الرَّابِطِ لِكُلٍّ مِنَ الْمُبْتَدَأَيْنِ، وَمِنَ الْقَوَاعِدِ الْمَشْهُورَةِ حَتَّى فِي الْأَلْفِيَّةِ أَنَّ الْحَالَ يَأْتِي مِنَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ الْمُضَافُ عَامِلًا فِيهِ كَمَا قَالَ:

وَلَا تُجِزْ حَالًا مِنَ الْمُضَافِ لَهْ ... إِلَّا إِذَا اقْتَضَى الْمُضَافُ عَمَلَهْ

إِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ أَنَّهُ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمُسْتَكِنِّ فِي (وَلِيُّ) وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ أبو حيان فِي الْبَحْرِ، فَإِنَّ صِيغَةَ (وَلِيُّ) صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ، وَفِيهِ ضَمِيرُ الْفَاعِلِ هُوَ الْأَوْضَحُ، وَالْحَالُ تَأْتِي مِنَ الْفَاعِلِ كَثِيرًا، وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ: اللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ حَالَ إِخْرَاجِهِ إِيَّاهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ، أَوْ حَالَ كَوْنِهِ مُخْرِجًا لَهُمْ؛ أَيْ: مَوْلَاهُمْ حَيْثُ أَخْرَجَهُمْ، وَالْحَالُ قَيْدٌ فِي الْعَامِلِ، فَجُمْلَةُ الْإِخْرَاجِ حَالٌ مُبَيِّنَةٌ لِهَيْئَةِ التَّوَلِّي، وَضَمِيرُ يُخْرِجُ الْمُسْتَتِرُ فِيهِ هُوَ الرَّابِطُ لِجُمْلَةِ الْحَالِ بِصَاحِبِهَا، وَإِنَّمَا جُعِلَ مِنْ ضَمِيرِ (وَلِيُّ) لَا مِنْ نَفْسِ (وَلِيُّ) ; لِأَنَّهُ وَاقِعٌ خَبَرًا عَنِ الْمُبْتَدَأِ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْحَالَ لَا تَأْتِي مِنَ الْخَبَرِ، بَلْ مِنَ الْفَاعِلِ أَوِ الْمَفْعُولِ أَوْ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُمَا، وَهُوَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ بِشَرْطِهِ أَوِ الْمُبْتَدَأُ عَلَى رَأْيٍ، وَأَمَّا الْخَبَرُ فَلَا يَأْتِي مِنْهُ الْحَالُ، فَلِذَلِكَ عَدَلَ إِلَى الضَّمِيرِ الَّذِي هُوَ فَاعِلُهُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّهَا حَالٌ مِنَ الْمَوْصُولِ وَاضِحٌ أَيْضًا ; لِأَنَّهُ مَجْرُورٌ بِإِضَافَةِ الصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ إِلَيْهِ، فَهُوَ مِنْ قَاعِدَةِ مَا كَانَ الْمُضَافُ عَامِلًا فِيهِ، وَهُوَ فِي مَعْنَى الْمَفْعُولِ ; وَلِهَذَا لَوْ جِئْتَ بَدَلَ الصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ بِالْفِعْلِ ظَهَرَتِ الْمَفْعُولِيَّةُ فَيُقَالُ: اللَّهُ تَوَلَّى الَّذِينَ آمَنُوا، فَيَكُونُ الَّذِينَ مَفْعُولًا وَالْحَالُ يَأْتِي مِنَ الْمَفْعُولِ، وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ: اللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ حَالَ كَوْنِهِمْ مُخْرَجِينَ بِهِدَايَتِهِ مِنَ الظُّلُمَاتِ، فَإِذَا قُدِّرَتِ الْحَالُ مِنْ ضَمِيرِ (وَلِيُّ) كَانَتْ فِي تَقْدِيرِ مُخْرِجًا بِالْكَسْرِ اسْمَ فَاعِلٍ، وَإِذَا قَدَّرْتَهَا مِنَ الَّذِينَ الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى الْمَفْعُولِ كَانَتْ فِي تَقْدِيرِ مُخْرَجِينَ بِالْفَتْحِ اسْمَ مَفْعُولٍ.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ وَاضِحٌ أَيْضًا وَهُوَ أَنَّهَا حَالٌ مِنْهُمَا مَعًا، فَإِنَّ فِيهَا رَابِطَيْنِ: رَابِطٌ بِالْأَوَّلِ، وَهُوَ ضَمِيرُ يُخْرِجُ الْمُسْتَتِرُ الَّذِي هُوَ فَاعِلٌ، وَرَابِطٌ بِالثَّانِي، وَهُوَ ضَمِيرُ الَّذِينَ آمَنُوا، الَّذِي هُوَ مَفْعُولُ يُخْرِجُ، وَهُوَ هُمْ، وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا: اللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ حَالَ كَوْنِهِ مُخْرِجًا لَهُمْ بِالْهِدَايَةِ، وَحَالَ كَوْنِهِمْ مُخْرَجِينَ بِالِاهْتِدَاءِ، وَفِي ذَلِكَ مُلَاحَظَةٌ أُخْرَى لِقَاعِدَةٍ أُصُولِيَّةٍ وَهِيَ اسْتِعْمَالُ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>