للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[أَحْوَالُ الْبَعْثِ]

مَسْأَلَةٌ: هَلْ يَمُرُّ إِبْلِيسُ وَكُفَّارُ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ عَلَى الصِّرَاطِ؟

الْجَوَابُ: صَرَّحَ ابن برجان فِي الْإِرْشَادِ بِأَنَّ الْكُفَّارَ لَا يَمُرُّونَ عَلَى الصِّرَاطِ، وَفِي الْأَحَادِيثِ مَا يَشْهَدُ لَهُ، وَفِي أَحَادِيثَ أُخَرَ مَا يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ، وَأَنَّهُمْ يَمُرُّونَ، فَحَمَلْتُ ذَلِكَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ؛ لِكَوْنِ بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ رَأَيْتُ القرطبي صَرَّحَ بِأَنَّ فِي الْآخِرَةِ صِرَاطَيْنِ: صِرَاطٌ لِعُمُومِ الْخَلْقِ إِلَّا مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَمَنْ يَلْتَقِطُهُمْ عُنُقُ النَّارِ، وَصِرَاطٌ لِلْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً، وَهَذَا جَمْعٌ حَسَنٌ، وَعُرِفَ مِنْهُ أَنَّ مِنْ يَلْتَقِطُهُمْ عُنُقُ النَّارِ - وَهُمْ طَوَائِفُ مَخْصُوصَةٌ مِنَ الْكُفَّارِ - لَا يَمُرُّونَ عَلَى الصِّرَاطِ أَصْلًا، وَكَذَلِكَ بَعْثُ النَّارِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الْخَلْقِ إِلَيْهَا قَبْلَ نَصْبِ الصِّرَاطِ، دَلَّتِ الْأَحَادِيثُ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَمُرُّونَ عَلَى الصِّرَاطِ أَصْلًا، وَهُمْ طَوَائِفُ مِنَ الْكُفَّارِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَمُرُّ عَلَى الصِّرَاطِ مِنَ الْكُفَّارِ إِلَّا الْمُنَافِقُونَ وَأَهْلُ الْكِتَابَيْنِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْفِرَقَ الثَّلَاثَ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ يُحْمَلُونَ عَلَيْهِ فَيَسْقُطُونَ مِنْهُ فِي النَّارِ، وَكَذَلِكَ مَنْ يُنْصَبُ لَهُ الْمِيزَانُ مِنَ الْكُفَّارِ وَهُمْ طَائِفَةٌ مَخْصُوصَةٌ مِنْهُمْ يَمُرُّونَ عَلَيْهِ فَيُحْضَرُوا وَزْنَهُمْ، فَإِنَّ الْمِيزَانَ إِنَّمَا هُوَ عَلَى الصِّرَاطِ. هَذَا مُلَخَّصُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ، وَبَسْطُهُ فِي كِتَابِنَا الْمُسَمَّى بِ " الْبُدُورِ السَّافِرَةِ فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ "، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

مَسْأَلَةٌ: قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُحْشَرُ النَّاسُ حُفَاةً عُرَاةً» " هَلْ هُوَ عَلَى عُمُومِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: " فَيَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيمُ " أَوْ هُوَ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ.

الْجَوَابُ: هُوَ مَخْصُوصٌ وَلَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ، فَقَدْ نَصَّ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يُحْشَرُ عَارِيًا وَبَعْضَهُمْ يُحْشَرُ فِي أَكْفَانِهِ، وَحُمِلَ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُبْعَثُ الْمَيِّتُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي يَمُوتُ فِيهَا» . رَوَاهُ أبو داود، وَابْنُ حِبَّانَ، والحاكم، وَقَوْلُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: أَحْسِنُوا أَكْفَانَ مَوْتَاكُمْ، فَإِنَّ النَّاسَ يُحْشَرُونَ فِي أَكْفَانِهِمْ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا.

وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِثْلَهُ، وَهَذَانِ الْمَوْقُوفَانِ لَهُمَا حُكْمُ الرَّفْعِ. وَنَصَّ القرطبي عَلَى أَنَّ حَدِيثَ الْحَشْرِ عُرَاةً مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ الشُّهَدَاءِ، وَأَنَّ حَدِيثَ أبي داود وَنَحْوَهُ فِي الشُّهَدَاءِ.

وَأَخْرَجَ الدينوري فِي الْمُجَالَسَةِ عَنِ الحسن قَالَ: يُحْشَرُ النَّاسُ كُلُّهُمْ عُرَاةً مَا خَلَا أَهْلَ الزُّهْدِ. وَإِذَا خُصَّ مِنَ الْحَدِيثِ الشُّهَدَاءُ أَوْ أَهْلُ الزُّهْدِ، فَالْأَنْبِيَاءُ مِنْ بَابِ أَوْلَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>