للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكِنَايَةِ بِإِبْدَالِ حَرْفِ الطَّاءِ تَاءً، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مِنَ الْمَنْقُولِ عَامٌّ وَخَاصٌّ، فَالْعَامُّ: قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: فَرْعٌ: إِذَا اشْتُهِرَ فِي الطَّلَاقِ لَفْظٌ سِوَى الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ الصَّرِيحَةِ، كَـ" حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ "، أَوْ " أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ "، أَوِ " الْحِلُّ عَلَيَّ حَرَامٌ "، فَفِي الْتِحَاقِهِ بِالصَّرِيحِ أَوْجُهٌ، أَصَحُّهَا: نَعَمْ؛ لِحُصُولِ التَّفَاهُمِ وَغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَبِهَذَا قَطَعَ الْبَغَوِيُّ وَعَلَيْهِ تَنْطَبِقُ فَتَاوَى القفال والقاضي حسين وَالْمُتَأَخِّرِينَ.

وَالثَّانِي: لَا، وَرَجَّحَهُ المتولي. وَالثَّالِثُ حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنِ القفال أَنَّهُ إِنْ نَوَى شَيْئًا آخَرَ مِنْ طَعَامٍ وَغَيْرِهِ، فَلَا طَلَاقَ، وَإِذَا ادَّعَاهُ صُدِّقَ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، فَإِنْ كَانَ فَقِيهًا يَعْلَمُ أَنَّ الْكِنَايَةَ لَا تَعْمَلُ إِلَّا بِالنِّيَّةِ لَمْ يَقَعْ، وَإِنْ كَانَ عَامِّيًّا سَأَلْنَاهُ عَمَّا يَفْهَمُ مِنْهُ إِذَا سَمِعَهُ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ قَالَ: يَسْبِقُ إِلَى فَهْمِي مِنْهُ الطَّلَاقُ، حُمِلَ عَلَى مَا يَفْهَمُهُ، وَالَّذِي حَكَاهُ المتولي عَنِ القفال أَنَّهُ إِنْ نَوَى غَيْرَ الزَّوْجَةِ فَذَاكَ، وَإِلَّا يَقَعُ الطَّلَاقُ لِلْعُرْفِ.

قُلْتُ: الْأَرْجَحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ الْمُتَقَدِّمُونَ أَنَّهُ كِنَايَةٌ مُطْلَقًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا الْبِلَادُ الَّتِي يَشْتَهِرُ فِيهَا اللَّفْظُ لِلطَّلَاقِ، فَهُوَ كِنَايَةٌ فِي حَقِّ أَهْلِهَا بِلَا خِلَافٍ. انْتَهَى.

فَانْظُرْ كَيْفَ صَدَرَ الْفَرْعُ بِضَابِطٍ وَهُوَ أَنْ يَشْتَهِرَ فِي الطَّلَاقِ لَفْظٌ، وَلَمْ يَخُصُّهُ بِلَفْظٍ دُونَ لَفْظٍ، وَلَا يَظُنُّ أَحَدٌ اخْتِصَاصَهُ بِلَفْظِ " الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ " وَنَحْوِهِ، فَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ، فَالضَّابِطُ لَفْظٌ يَشْتَهِرُ فِي بَلَدٍ أَوْ فَرِيقٍ اسْتِعْمَالُهُ فِي الطَّلَاقِ، وَهَذَا اللَّفْظُ اشْتُهِرَ فِي أَلْسِنَةِ الْعَوَامِّ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ، فَهُوَ كِنَايَةٌ فِي حَقِّهِمْ عِنْدَ النووي وَصَرِيحٌ عِنْدَ الرافعي، وَأَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَعَوَامِّ بَلَدٍ لَمْ يَشْتَهِرْ ذَلِكَ فِي لِسَانِهِمْ، فَهُوَ كِنَايَةٌ، وَلَا يَأْتِي قَوْلٌ بِأَنَّهُ صَرِيحٌ، فَإِنْ نَظَرَ نَاظِرٌ إِلَى أَنَّ الْفُقَهَاءَ لَمْ يُنَبِّهُوا عَلَى هَذَا اللَّفْظِ فِي كُتُبِهِمْ. قُلْنَا: الْفُقَهَاءُ لَمْ يَسْتَوْفُوا كُلَّ الْكِنَايَاتِ بَلْ عَدَّدُوا مِنْهَا جُمَلًا، ثُمَّ أَشَارُوا إِلَى مَا لَمْ يَذْكُرُوهُ بِضَابِطٍ، وَقَدِ اسْتَنْبَطَ البلقيني مِنْ حَدِيثِ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ لِامْرَأَةِ ابْنِهِ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ: قُولِي لَهُ: "يُغَيِّرُ عَتَبَةَ بَابِهِ" إِنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ، وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ أَحَدٌ قَبْلَهُ، وَلَعَلَّ الْفُقَهَاءَ إِنَّمَا سَكَتُوا عَنِ التَّعَرُّضِ لِلَفْظَةِ تَالِقٍ لِكَوْنِهَا لَمْ تَقَعْ فِي زَمَنِهِمْ، وَإِنَّمَا حَدَثَ ذَلِكَ فِي أَلْسِنَةِ الْعَامَّةِ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إِنَّ تَالِقًا مِنَ التَّلَاقِ وَهُوَ مَعْنًى غَيْرُ الطَّلَاقِ، فَكَلَامُهُ أَشَدُّ سُقُوطًا مِنْ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِرَدٍّ، فَإِنَّ التَّلَاقِ لَا يُبْنَى مِنْهُ وَصْفٌ عَلَى فَاعِلٍ، وَأَمَّا الْخَاصُّ فَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ عَنْ زِيَادَاتِ العبادي: وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِ، وَتَرَكَ الْقَافَ طَلُقَتْ حَمْلًا عَلَى التَّرْخِيمِ، وَقَالَ البوشنجي: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقَعَ وَإِنْ نَوَى، فَإِنْ قَالَ: يَا طَالِ، وَنَوَى وَقَعَ؛ لِأَنَّ التَّرْخِيمَ إِنَّمَا يَقَعُ فِي النِّدَاءِ، فَأَمَّا فِي غَيْرِ النِّدَاءِ فَلَا يَقَعُ إِلَّا نَادِرًا فِي الشِّعْرِ. انْتَهَى.

وَإِبْدَالُ الْحَرْفِ أَقْرَبُ إِلَى الْوُقُوعِ مِنْ حَذْفِهِ بِالْكُلِّيَّةِ، قَالَ الإسنوي فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>