للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِكْرُ نُقُولِ الْقَوْلِ الثَّانِي: أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ جويبر قَالَ: مَاتَ ابْنٌ لِلضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ ابْنَ سِتَّةِ أَيَّامٍ، فَقَالَ: إِذَا وَضَعْتَ ابْنِي فِي لَحْدِهِ فَأَبْرِزْ وَجْهَهُ، وَحُلَّ عُقَدَهُ، فَإِنَّ ابْنِي مُجْلَسٌ وَمَسْئُولٌ، فَقُلْتُ: عَمَّ يُسْأَلُ؟ قَالَ: عَنِ الْمِيثَاقِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ فِي صُلْبِ آدَمَ.

وَقَالَ البزازي مِنَ الْحَنَفِيَّةِ فِي فَتَاوِيهِ: السُّؤَالُ لِكُلِّ ذِي رُوحٍ حَتَّى الصَّبِيُّ، وَاللَّهُ تَعَالَى يُلْهِمُهُ، وَقَالَ الزركشي فِي " الْخَادِمِ ": قَدْ صَرَّحَ ابن يونس فِي " شَرْحِ التَّعْجِيزِ " بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَلْقِينُ الطِّفْلِ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَّنَ ابْنَهُ إبراهيم» ، قَالَ: وَهَذَا احْتَجَّ بِهِ المتولي فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ.

وَقَالَ السبكي فِي " شَرْحِ الْمِنْهَاجِ ": إِنَّمَا يُلَقَّنُ الْمَيِّتُ الْمُكَلَّفُ، أَمَّا الصَّبِيُّ فَلَا يُلَقَّنُ.

وَقَالَ فِي " التَّتِمَّةِ ": إِنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا لَحَدَ ابْنَهُ إبراهيم لَقَّنَهُ» ، وَهَذَا غَرِيبٌ، انْتَهَى.

وَعِبَارَةُ " التَّتِمَّةِ " الْأَصْلُ فِي التَّلْقِينِ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَفَنَ إبراهيم قَالَ: قُلِ اللَّهُ رَبِّي، وَرَسُولِي أَبِي، وَالْإِسْلَامُ دِينِي، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْتَ تُلَقِّنُهُ فَمَنْ يُلَقِّنُنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: ٢٧] » انْتَهَى.

وَقَالَ الشَّيْخُ سعد الدين فِي " شَرْحِ الْعَقَائِدِ ": قَالَ أبو شجاع: إِنَّ لِلصِّبْيَانِ سُؤَالًا.

وَقَالَ صَاحِبُ " الْمِصْبَاحِ ": الْأَصَحُّ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يُسْأَلُونَ، وَتُسْأَلُ أَطْفَالُ الْمُسْلِمِينَ. وَتَوَقَّفَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي سُؤَالِ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ.

وَقَالَ القرطبي فِي " التَّذْكِرَةِ ": فَإِنْ قَالُوا: مَا حُكْمُ الصِّغَارِ عِنْدَكُمْ؟ قُلْنَا: هُمْ كَالْبَالِغِينَ، وَإِنَّ الْعَقْلَ يُكَمَّلُ لَهُمْ لِيَعْرِفُوا بِذَلِكَ مَنْزِلَتَهُمْ وَسَعَادَتَهُمْ، وَيُلْهَمُونَ الْجَوَابَ عَمَّا يُسْأَلُونَ عَنْهُ. هَذَا مَا تَقْتَضِيهِ ظَوَاهِرُ الْأَخْبَارِ، وَقَدْ جَاءَ أَنَّ الْقَبْرَ يَنْضَمُّ عَلَيْهِمْ كَمَا يَنْضَمُّ عَلَى الْكِبَارِ.

وَقَدْ رَوَى هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عَلَى الْمَنْفُوسِ مَا عَمِلَ خَطِيئَةً قَطُّ، فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ أَجِرْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، انْتَهَى.

وَالْأَوَّلُونَ قَالُوا: إِنَّمَا يَكُونُ السُّؤَالُ لِمَنْ عَقَلَ الرَّسُولَ وَالْمُرْسَلَ، فَيُسْأَلُ: هَلْ آمَنَ بِالرَّسُولِ وَأَطَاعَهُ أَمْ لَا؟ قَالُوا: وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ فِيهِ بِعَذَابِ الْقَبْرِ عُقُوبَتَهُ وَلَا السُّؤَالَ، بَلْ مُجَرَّدُ الْأَلَمِ بِالْغَمِّ، وَالْهَمِّ، وَالْحَسْرَةِ، وَالْوَحْشَةِ، وَالضَّغْطَةِ الَّتِي تَعُمُّ الْأَطْفَالَ وَغَيْرَهُمْ، وَقَدْ يُسْتَشْهَدُ لِأَصْحَابِ الْقَوْلِ الثَّانِي بِمَا أَخْرَجَهُ ابن شاهين فِي " السُّنَّةِ " قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الله بن سليمان قَالَ: ثَنَا عمرو بن عثمان قَالَ: ثَنَا بقية قَالَ: حَدَّثَنِي صفوان قَالَ: حَدَّثَنِي راشد قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «تَعَلَّمُوا حُجَّتَكُمْ، فَإِنَّكُمْ مَسْئُولُونَ» ، حَتَّى إِنْ كَانَ أَهْلُ الْبَيْتِ مِنَ الْأَنْصَارِ يَحْضُرُ الرَّجُلَ مِنْهُمُ الْمَوْتُ فَيُوصُونَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>