وَالْغُلَامُ إِذَا عَقَلَ فَيَقُولُونَ لَهُ: إِذَا سَأَلُوكَ مَنْ رَبُّكَ؟ فَقُلِ: اللَّهُ رَبِّي، وَمَا دِينُكَ؟ فَقُلِ: الْإِسْلَامُ دِينِي، وَمَنْ نَبِيُّكَ؟ فَقُلْ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا رَجَّحْتُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ فِي كِتَابِ " شَرْحِ الصُّدُورِ "، وَغَيْرِهِ تَبَعًا لِأَهْلِ مَذْهَبِنَا، فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ عليه، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
ثُمَّ رَأَيْتُ فِي " شَرْحِ الرِّسَالَةِ " لأبي زيد عبد الرحمن الجزولي مَا نَصُّهُ: يَظْهَرُ مِنْ أَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ، سَوَاءٌ كَانُوا مُكَلَّفِينَ أَوْ غَيْرَ مُكَلَّفِينَ، وَيُؤْخَذُ مِنْ بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ الْمُكَلَّفِينَ، وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ أبي محمد هُنَا وَمِمَّا يَأْتِي أَنَّهُ أَرَادَ الْمُكَلَّفِينَ وَغَيْرَ الْمُكَلَّفِينَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِيمَا يَأْتِي: إِنَّهُ أَرَادَ الْمُكَلَّفِينَ وَعَافَهُ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ، وَلِلشُّيُوخِ هُنَا تَأْوِيلَانِ، فَمِنْهُمْ مَنْ تَرَكَ الْكِتَابَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَيَّدَهُ فَقَالَ: يُرِيدُ الْمُكَلَّفِينَ، وَلَكِنْ يُنَاقِضُهُ مَا قَالَ فِي الْجَنَائِزِ، انْتَهَى.
وَقَالَ يوسف بن عمر فِي " شَرْحِ الرِّسَالَةِ ": الْمُرَادُ بِالْمُؤْمِنِينَ فِي قَوْلِهِ: " «وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ» " غَيْرَ الْمُجَاهِدِينَ الشَّهِيدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَغَيْرَ الصِّبْيَانِ عَلَى قَوْلٍ.
وَقَالَ الشيخ أكمل الدين فِي " الْإِرْشَادِ ": السُّؤَالُ لِكُلِّ مَيِّتٍ كَبِيرٍ أَوْ صَغِيرٍ يُسْأَلُ إِذَا غَابَ عَنِ الْآدَمِيِّينَ، وَإِذَا مَاتَ فِي الْبَحْرِ أَوْ أَكَلَهُ السَّبْعُ فَهُوَ مَسْئُولٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ لَا يُسْأَلُونَ. ثُمَّ رَأَيْتُ الْحَدِيثَ الْمُشَارَ إِلَيْهِ فِي تَلْقِينِ إبراهيم أَوْرَدَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرِ بْنُ فَوْرَكٍ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِ " النِّظَامِيِّ فِي أُصُولِ الدِّينِ " مُسْتَدِلًّا بِهِ عَلَى أَصْلِ السُّؤَالِ، وَعِبَارَتُهُ: اعْلَمْ أَنَّ السُّؤَالَ فِي الْقَبْرِ حَقٌّ، وَأَنْكَرَتِ الْمُعْتَزِلَةُ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمُ الْوَاهِي، وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَاهُ مَا رُوِيَ «عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمَّا دَفَنَ وَلَدَهُ إبراهيم وَقَفَ عَلَى قَبْرِهِ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، الْقَلْبُ يَحْزَنُ، وَالْعَيْنُ تَدْمَعُ، وَلَا نَقُولُ مَا يُسْخِطُ الرَّبَّ، إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، يَا بُنَيَّ قُلِ اللَّهُ رَبِّي، وَالْإِسْلَامُ دِينِي، وَرَسُولُ اللَّهِ أَبِي، فَبَكَتِ الصَّحَابَةُ، وَبَكَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بُكَاءً ارْتَفَعَ لَهُ صَوْتُهُ، فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى عمر يَبْكِي وَالصَّحَابَةُ مَعَهُ، فَقَالَ: يَا عمر، مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا وَلَدُكَ، وَمَا بَلَغَ الْحُلُمَ، وَلَا جَرَى عَلَيْهِ الْقَلَمُ، وَيَحْتَاجُ إِلَى مُلَقِّنٍ مِثْلِكَ يُلَقِّنُهُ التَّوْحِيدَ فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ! فَمَا حَالُ عمر وَقَدْ بَلَغَ الْحُلُمَ وَجَرَى عَلَيْهِ الْقَلَمُ، وَلَيْسَ لَهُ مُلَقِّنٌ مِثْلُكَ، أَيُّ شَيْءٍ تَكُونُ صُورَتُهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ؟ فَبَكَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَكَتِ الصَّحَابَةُ مَعَهُ، وَنَزَلَ جِبْرِيلُ وَسَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَبَبِ بُكَائِهِمْ، فَذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَهُ عمر، وَمَا وَرَدَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَصَعِدَ جِبْرِيلُ وَنَزَلَ وَقَالَ: رَبُّكَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: ٢٧] يُرِيدُ بِذَلِكَ وَقْتَ الْمَوْتِ وَعِنْدَ السُّؤَالِ فِي الْقَبْرِ، فَتَلَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمُ الْآيَةَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute