وَذَكَرَ مِثْلَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَذَكَرَ النووي مِثْلَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَالْمِنْهَاجِ، وَإِنَّمَا بَدَأْتُ بِنَقْلِ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ الْآنَ فِي الْفُتْيَا عَلَى كَلَامِهِمَا، وَإِلَّا فَالْمَسْأَلَةُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بَيْنَ الْأَصْحَابِ، قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ: وَلَوْ قَرَأَ الْمُصَلِّي آيَةً، أَوْ بَعْضًا مِنْ آيَةٍ، فَأَفْهَمَ بِهَا كَلَامًا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: خُذْهَا بِقُوَّةٍ، أَوْ يَقُولَ: وَقَدْ حَضَرَ جَمْعٌ فَاسْتَأْذَنُوا ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ فَإِنْ لَمْ تَخْطُرْ لَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، وَلَكِنْ جَرَّدَ قَصْدَهُ إِلَى الْخِطَابِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ قَصَدَ الْقِرَاءَةَ، وَلَمْ يَخْطُرْ لَهُ إِفْهَامُ أَحَدٍ بِحَيْثُ لَوْ دَخَلُوا لَمْ يُرِدْ دُخُولَهُمْ مِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ فَلَا شَكَّ أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تَبْطُلُ.
وَإِنْ قَصَدَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَقَصَدَ إِفْهَامَهُمْ فَالَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَئِمَّةُ: أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَبْطُلُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهَذَا، وَقَالَ فِي بَابِ الْغُسْلِ: لَوْ قَالَ الْجُنُبُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ، وَقَصَدَ بِهِ غَيْرَ الْقُرْآنِ لَمْ يَعْصِ، وَإِنْ أَجْرَاهُ عَلَى لِسَانِهِ وَلَمْ يَقْصِدْ قِرَاءَةً وَلَا غَيْرَهَا فَقَدْ كَانَ شَيْخِي يَقُولُ: لَا يَعْصِي وَهَذَا مَقْطُوعٌ بِهِ انْتَهَى.
وَقَالَ الْبَغَوِيُّ فِي التَّهْذِيبِ: لَوْ قَالَ الْجُنُبُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ لَا بِقَصْدِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ تُوَافِقُ نَظْمَ الْقُرْآنِ، وَقَالَ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ: وَلَوْ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ مُوَافِقٍ نَظْمُهُ نَظْمَ الْقُرْآنِ، مِثْلَ أَنْ دَقَّ رَجُلٌ الْبَابَ، قَالَ: ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ، أَوْ أَرَادَ دَفْعَ كِتَابٍ، فَقَالَ: يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ نُظِرَ إِنْ لَمْ يَكُنْ قَصَدَ بِهِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ قَصَدَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَإِعْلَامَهُ لَا تَبْطُلُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَبْطُلُ.
وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ: إِذَا أَتَى الْجُنُبُ بِالْقُرْآنِ عَلَى قَصْدِ غَيْرِهِ لَا يَعْصِي فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ لَا الْقِرَاءَةَ وَلَا غَيْرَهَا قَالَ الشيخ أبو محمد: لَا يَعْصِي؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ مُعْتَبَرٌ فِي هَذَا الْجِنْسِ، وَقَالَ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ: إِذَا اسْتَأْذَنَ جَمْعٌ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ، أَوْ قَالَ: خُذْهَا بِقُوَّةٍ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ خِطَابِ الْآدَمِيِّينَ، فَإِنْ قَصَدَ التَّفْهِيمَ دُونَ الْقِرَاءَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ قَصَدَ الْقِرَاءَةَ دُونَ التَّفْهِيمِ لَمْ تَبْطُلْ، وَإِنْ قَصَدَهُمَا جَمِيعًا، قَالَ أَصْحَابُنَا: لَا تَبْطُلُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَبْطُلُ.
وَقَالَ المتولي فِي التَّتِمَّةِ الْخَامِسَةِ: إِذَا نَابَهُ أَمْرٌ فِي الصَّلَاةِ، فَتَلَا آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ يَحْصُلُ بِهَا تَنْبِيهُ الْغَيْرِ عَلَى بَعْضِ الْأُمُورِ، مِثْلَ إِنْ دَقَّ الْبَابُ فَقَرَأَ قَوْلَهُ تَعَالَى: {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ} [الحجر: ٤٦] ، أَوْ رَأَى إِنْسَانًا اسْمُهُ مُوسَى، يَمْشِي بِالنَّعْلِ عَلَى بِسَاطِهِ، فَقَرَأَ قَوْلَهُ تَعَالَى: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ} [طه: ١٢] ، فَإِنْ قَصَدَ بِهِ التَّنْبِيهَ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّ هَذَا خِطَابٌ وَافَقَ نَظْمَ الْقُرْآنِ، وَإِنْ قَصَدَ الْقِرَاءَةَ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَإِنْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ تَنْبِيهًا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَبْطُلُ، وَدَلِيلُنَا مَا رُوِيَ أَنَّ عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْخَوَارِجِ، فَعَرَّضَ بِهِ، وَقَالَ: لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute