أَوْ نَقْصٍ فَلَا إِشْكَالَ، فَإِنَّ رَدَّ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الْقَرْضِ جَائِزٌ بَلْ مَنْدُوبٌ، وَأَخْذُ أَقَلَّ مِنْهُ إِبْرَاءٌ مِنَ الْبَاقِي، وَقَوْلِي مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ احْتِرَازٌ مِنْ غَيْرِهِ، كَأَنْ أَخَذَ بَدَلَهُ عُرُوضًا أَوْ نَقْدًا ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً، وَهَذَا مَرْجِعُهُ إِلَى التَّرَاضِي أَيْضًا، فَإِنَّهُ اسْتِبْدَالٌ وَهُوَ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَيْعِ وَلَا يُجْبَرُ فِيهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، فَإِنْ أَرَادَ أَخْذَ بَدَلِهِ فُلُوسًا مِنَ الْجُدُدِ الْمُتَعَامَلِ بِهَا عَدَدًا فَهَلْ هُوَ مِنْ جِنْسِهِ لِكَوْنِ الْكُلِّ نُحَاسًا أَوْ لَا لِاخْتِصَاصِهِ بِوَصْفٍ زَائِدٍ وَزِيَادَةِ قِيمَةٍ؟ مَحَلُّ نَظَرٍ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ، لَكِنْ لَا إِجْبَارَ فِيهَا أَيْضًا لِاخْتِصَاصِهَا بِمَا ذُكِرَ، فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى قَدْرٍ فَذَاكَ، وَإِلَّا فَلَا يُجْبَرُ الْمَدِينُ عَلَى دَفْعِ رِطْلٍ مِنْهَا لِأَنَّهُ أَزْيَدُ قِيمَةً، وَلَا يُجْبَرُ الدَّائِنُ عَلَى أَخْذِ قَدْرِ حَقِّهِ مِنْهَا عَدَدًا لِأَنَّهُ أَنْقَصُ وَزْنًا، فَإِنْ عَدِمَتِ الْفُلُوسُ الْعِتْقَ فَلَمْ تُوجَدْ أَصْلًا رُجِعَ إِلَى قَدْرِ قِيمَتِهَا مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ يَوْمَ الْمُطَالَبَةِ، فَيُأْخَذُ الْآنَ لَوْ قُدِّرَ انْعِدَامُهَا فِي كُلِّ عَشَرَةِ أَرْطَالٍ دِينَارًا، وَلَوِ اقْتَرَضَ مِنْهُ فُلُوسًا عَدَدًا كَسِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ ثُمَّ أَبْطَلَ السُّلْطَانُ الْمُعَامَلَةَ بِهَا عَدَدًا وَجَعَلَهَا وَزْنًا كُلَّ رِطْلٍ بِسِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ كَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ السِّنِينَ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي قَبَضَهُ مَعْلُومَ الْقَدْرِ بِالْوَزْنِ رَجَعَ بِقَدْرِهِ وَزْنًا وَلَا تُعْتَبَرُ زِيَادَةُ قِيمَتِهِ وَلَا نَقْصُهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَزْنُهُ مَعْلُومًا فَهُوَ قَرْضٌ فَاسِدٌ لِأَنَّ شَرْطَ الْقَرْضِ أَنْ يَكُونَ الْمُقْرِضُ مَعْلُومَ الْقَدْرِ بِالْوَزْنِ أَوِ الْكَيْلِ، وَقَرْضُ الْمَجْهُولِ فَاسِدٌ وَالْعَدَدُ لَا يُعْتَبَرُ بِهِ وَالْمَقْبُوضُ [بِالْقَرْضِ] الْفَاسِدِ يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ أَوْ بِالْقِيمَةِ، وَهُنَا قَدْ تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ إِلَى الْمِثْلِ لِلْجَهْلِ بِقَدْرِهِ فَيُرْجَعُ إِلَى الْقِيمَةِ، وَهَلْ يُعْتَبَرُ قِيمَةُ مَا أَخَذَهُ يَوْمَ الْقَبْضِ أَوْ يَوْمَ الصَّرْفِ؟ الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ فَقَدْ أَخَذَ مَا قِيمَتُهُ يَوْمَ قَبْضِهِ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ فَيَرُدُّ مَا قِيمَتُهُ الْآنَ كَذَلِكَ وَهُوَ رِطْلٌ أَوْ مِثْلُهُ مِنَ الْفِضَّةِ أَوِ الذَّهَبِ.
فَرْعٌ: فَإِنْ وَقَعَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْفِضَّةِ فَإِنِ اقْتَرَضَ مِنْهُ أَنْصَافًا بِالْوَزْنِ ثُمَّ نُودِيَ عَلَيْهَا بِأَنْقَصَ أَوْ بِأَزْيَدَ أَوْ بِالْعَدَدِ أَوِ اقْتَرَضَ عَدَدًا ثُمَّ نُودِيَ عَلَيْهَا بِالْوَزْنِ فَلَا يَخْفَى قِيَاسُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا.
فَصْلٌ: وَمِنْهَا السَّلَمُ وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْفُلُوسِ بِشَرْطِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ قَسْمُ الْعَدَدِ لِاشْتِرَاطِ الْوَزْنِ فِيهِ، فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ لَزِمَهُ الْقَدْرُ الَّذِي أَسْلَمَ فِيهِ وَزْنًا، سَوَاءٌ زَادَتْ قِيمَتُهُ عَمَّا كَانَ وَقْتَ [تَسْلِيمِهِ] السَّلَمَ أَمْ نَقَصَتْ، وَيَجِبُ تَحْصِيلُهُ بَالِغًا ثَمَنُهُ مَا بَلَغَ، فَإِنْ عَدِمَ فَلَيْسَ إِلَّا الْفَسْخُ وَالرُّجُوعُ بِرَأْسِ الْمَالِ أَوِ الصَّبْرُ إِلَى الْوُجُودِ وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ فُلُوسًا - وَهِيَ بَاقِيَةٌ بِعَيْنِهَا - أَخَذَهَا، وَإِنْ تَلِفَتْ رَجَعَ إِلَى مِثْلِهَا وَزْنًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute