للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَدْرِ الْحَاجَةِ فِي الدَّفْعِ. السَّابِعَةُ: أَنْ يَحْتَاجَ إِلَى أَعْوَانٍ يَشْهَرُونَ السِّلَاحَ، وَفِي احْتِيَاجِ هَذَا إِلَى إِذْنِ الْإِمَامِ خِلَافٌ فَقَالَ قَائِلُونَ: يَحْتَاجُ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى تَحْرِيكِ الْفِتَنِ، وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يَحْتَاجُ إِلَى إِذْنٍ، وَهُوَ الْأَقْيَسُ؛ لِأَنَّ مُنْتَهَاهُ تَجْنِيدُ الْجُنُودِ فِي رِضَاءِ اللَّهِ وَدَفْعِ مَعَاصِيهِ، وَنَحْنُ نُجَوِّزُ لِلْآحَادِ مِنَ الْغُزَاةِ أَنْ يَجْتَمِعُوا وَيُقَاتِلُوا مَنْ أَرَادُوا مِنْ فِرَقِ الْكُفَّارِ قَمْعًا لِأَهْلِ الْكُفْرِ، فَكَذَلِكَ قَمْعُ أَهْلِ الْفَسَادِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا بَأْسَ بِقَتْلِهِ فَكَذَلِكَ الْفَاسِقُ الْمُنَاضِلُ عَنْ فِسْقِهِ لَا بَأْسَ بِقَتْلِهِ، وَالْمَقْتُولُ مِنَ الْقَائِمِينَ فِي حَرْبِ الْفَرِيقَيْنِ شَهِيدٌ، ثُمَّ قَالَ الْغَزَالِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: فَلْيَجُزْ لِلسُّلْطَانِ زَجْرُ النَّاسِ عَنِ الْمَعَاصِي بِإِتْلَافِ أَمْوَالِهِمْ، وَتَخْرِيبِ دُورِهِمُ الَّتِي فِيهَا يَشْرَبُونَ، وَإِحْرَاقِ أَمْوَالِهِمُ الَّتِي بِهَا يَتَوَصَّلُونَ لِلْمَعَاصِي، فَاعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ إِنْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ لَمْ يَكُنْ خَارِجًا عَنْ سُنَنِ الْمَصَالِحِ، وَالْمَصَالِحُ يُتَّبَعُ فِيهَا وَلَا يُبْتَدَعُ، هَذَا كَلَامُ الْغَزَالِيِّ.

فَعَلَّقَ الْقَوْلَ بِهِ عَلَى وُرُودِهِ مِنَ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ فِيهِ عَلَى حَدِيثٍ، وَقَدْ صَحَّتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ فَإِنْ قِيلَ: التَّعْزِيرُ بِإِتْلَافِ الْمَالِ مَنْسُوخٌ فِي مَذْهَبِنَا قُلْتُ: مَحَلُّ ذَلِكَ فِيمَا لَمْ يَتَعَيَّنْ طَرِيقًا لِإِزَالَةِ الْفَسَادِ، أَمَّا مَا تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِإِزَالَتِهِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَنْسُوخٍ فِيهِ، وَلِهَذَا فَعَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَهَلُمَّ جَرًّا، وَقَدْ نَصَّ أَصْحَابُنَا عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ فِي فُرُوعٍ: مِنْهَا قَوْلُهُمْ يَجُوزُ كَسْرُ أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؛ لِتَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِهَا وَاتِّخَاذِهَا، وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ: إِنَّ آلَاتِ الْمَلَاهِي تُكْسَرُ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، وَمِنْهَا قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ: لِلْوُلَاةِ كَسْرُ الظُّرُوفِ الَّتِي فِيهَا الْخُمُورُ؛ زَجْرًا وَتَأْدِيبًا دُونَ الْآحَادِ قَالَ: وَقَدْ فُعِلَ ذَلِكَ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَأْكِيدًا لِلزَّجْرِ وَلَمْ يَثْبُتْ نَسْخُهُ - هَذَا كَلَامُ الْغَزَالِيِّ.

قَالَ الأسنوي فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ بَعْدَ نَقْلِهِ: - وَهُوَ مِنَ النَّفَائِسِ الْمُهِمَّاتِ - فَانْظُرْ إِلَى قَوْلِهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ نَسْخُهُ كَيْفَ صَرَّحَ بِأَنَّ هَذَا الْقِسْمَ مِمَّا لَمْ يَجْرِ فِيهِ النَّسْخُ، وَإِنْ جَرَى فِي الْقِسْمِ الْآخَرِ، وَمِنْهَا قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ فِي إِرَاقَةِ الْخُمُورِ لِلْآحَادِ: وَلَوْ كَانَتِ الْخَمْرُ فِي قَوَارِيرَ ضَيِّقَةِ الرُّؤُوسِ وَلَوِ اشْتَغَلَ بِإِرَاقَتِهَا لَأَدْرَكَهُ الْفُسَّاقُ وَمَنَعُوهُ، أَوْ لَمْ يَخَفْ ذَلِكَ لَكِنْ كَانَ فِيهِ تَضْيِيعُ زَمَانِهِ وَتَعْطِيلُ شُغْلِهِ فَلَهُ كَسْرُهَا، إِذْ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُضَيِّعَ مَنْفَعَةَ بَدَنِهِ وَغَرَضَهُ مِنْ أَشْغَالِهِ لِأَجْلِ ظُرُوفِ الْخَمْرِ - نَقَلَهُ الأسنوي وَارْتَضَاهُ - وَمِنْهَا قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ: لَوْ كَانَتْ آنِيَةٌ مِنْ بَلُّورٍ أَوْ زُجَاجٍ عَلَى صُورَةِ حَيَوَانٍ وَفِي كَسْرِهَا خُسْرَانُ مَالٍ كَثِيرٍ جَازَ كَسْرُهَا، وَمِنْهَا قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ: لَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ اسْتِخْبَارٍ أَنَّ فُلَانًا يَشْرَبُ الْخَمْرَ فِي دَارِهِ، أَوْ بِأَنَّ فِي دَارِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>