للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَصْلٌ) قَالَ السبكي رَحِمَهُ اللَّهُ: قَوْلُ الْوَرَّاقِينَ فِي كُتُبِ الْأَوْقَافِ: مَنْ مَاتَ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ لِشَيْءٍ مِنْ مَنَافِعِ الْوَقْفِ وَخَلَّفَ وَلَدًا اسْتَحَقَّ وَلَدُهُ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ الْمُتَوَفَّى لَوْ بَقِيَ حَيًّا، حَتَّى يَصِيرَ إِلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ مَنَافِعِ الْوَقْفِ، وَقَامَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ مَقَامَهُ - عِبَارَةٌ جَرَتْ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ وَكِتَابَتِهِمْ، وَهِيَ تَقْتَضِي أَنَّ الْوَلَدَ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ مَا كَانَ أَبُوهُ يَسْتَحِقُّهُ لَوْ بَقِيَ حَيًّا، إِلَى أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ مَنَافِعِ الْوَقْفِ، فَكَيْفَ يُجْعَلُ الْوُصُولُ شَرْطًا أَوْ بَعْضَ شَرْطٍ، وَضَرُورَةُ الْعِبَارَةِ الْمَذْكُورَةِ جَعْلُهُ بَعْضَ شَرْطٍ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ وَصْفًا لِلْبَقَاءِ الْمُقَدَّرِ بَعْدَ (لَوْ) غَايَةً، فَهُوَ جُزْءٌ مِنَ الشَّرْطِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ بِمُقْتَضَى الْعِبَارَةِ الْمَذْكُورَةِ إِلَّا شَيْئًا ثَانِيًا، صَيْرُورَتُهُ مُسْتَحِقًّا، وَهَذَا لَيْسَ بِمُرَادٍ، وَكَأَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالْمَصِيرِ إِلَيْهِ انْتِهَاءَ الْوَقْفِ إِلَى حَالَةٍ لَوْ بَقِيَ حَيًّا فِيهَا لَاسْتَحَقَّ، فَجَعَلُوا ذَلِكَ مَصِيرًا إِلَيْهِ وَهُوَ صِفَةٌ لِلْوَقْفِ وَحَالٌ مِنْ أَحْوَالِهَا، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُجْعَلَ عِلَّةً وَسَبَبًا وَشَرْطًا فِي اسْتِحْقَاقِهِ الَّذِي هُوَ صِفَةٌ لَهُ وَيُجْعَلَ هَذَا الِاسْتِحْقَاقُ مَعْلُولًا عَنِ الصِّفَةِ، وَاسْتِعْمَالُ لَفْظَةِ (يَصِيرَ) فِي ذَلِكَ، الظَّاهِرُ أَنَّهَا مَجَازٌ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ صَيْرُورَةِ شَيْءٍ مِنَ الْمَنَافِعِ إِلَيْهِ، إِنَّمَا هُوَ بِاسْتِحْقَاقِهِ إِيَّاهُ، فَإِذَا فَرَضْنَا وَفَاةَ شَخْصٍ آخَرَ بَعْدَ ذَلِكَ لَوْ كَانَ هَذَا الَّذِي اسْتَحَقَّ بَاقِيًا لَاسْتَحَقَّ نَصِيبَهُ، وَحَكَمْنَا بِاسْتِحْقَاقِ هَذَا الْوَلَدِ اسْتِحْقَاقَ مَا لَوْ كَانَ وَالِدُهُ حَيًّا الْآنَ لَاسْتَحَقَّهُ، كَانَ اسْتِعْمَالُ لَفْظَةِ (يَصِيرَ) فِي حَقِّهِ عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ إِلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ شَيْءٌ، لَكِنَّا قَدِ اسْتَعْمَلْنَاهُ فِي الْمَعْنَى الْأَوَّلِ مَجَازًا، فَاسْتِعْمَالُهُ فِي الثَّانِي مَعَ الْأَوَّلِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَهُوَ مَرْجُوحٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَجَازِ الْمُنْفَرِدِ، وَاسْتِعْمَالُهُ فِي الثَّانِي وَحْدَهُ وَهُوَ الْحَقِيقَةُ وَاطِّرَاحُ الْمَجَازِ بِالْكُلِّيَّةِ يَلْزَمُ عَدَمُ أَخْذِهِ نَصِيبَ وَالِدِهِ، وَلَا قَائِلَ بِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُرَادٍ، فَيَتَرَجَّحُ الِاقْتِصَارُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَجَازِ الْمُنْفَرِدِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ مِنَ الْمَيِّتِ الثَّانِي شَيْئًا إِلَّا بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ، وَالْمُوجِبُ لِلنَّظَرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: وَقَفَ عَلَى شَخْصٍ ثُمَّ أَوْلَادِهِ، ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ وَشَرَطَ أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ بَنَاتِهِ انْتَقَلَ نَصِيبُهَا لِلْبَاقِينَ مِنْ أَخَوَاتِهَا، وَمَنْ مَاتَ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ لِشَيْءٍ مِنْ مَنَافِعِ الْوَقْفِ وَلَهُ وَلَدٌ اسْتَحَقَّ وَلَدُهُ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ الْمُتَوَفَّى لَوْ كَانَ حَيًّا حَتَّى يَصِيرَ إِلَيْهِ مِنْ مَنَافِعِ الْوَقْفِ، وَقَامَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ مَقَامَهُ، فَمَاتَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَخَلَّفَ وَلَدَيْنِ وَوَلَدَ وَلَدٍ مَاتَ أَبُوهُ فِي حَيَاةِ وَالِدِهِ، فَأَخَذَ الْوَلَدَانِ نَصِيبَهُمَا وَهُمَا ابْنٌ وَبِنْتٌ، وَأَخَذَ وَلَدُ الْوَلَدِ النَّصِيبَ الَّذِي لَوْ كَانَ وَالِدُهُ حَيًّا لَأَخَذَهُ، ثُمَّ مَاتَتِ الْبِنْتُ، فَهَلْ يُخْتَصُّ أَخُوهَا الْبَاقِي بِنَصِيبِهَا أَوْ يُشَارِكُهُ فِيهِ ابْنُ أَخِيهِ؟ تَعَارَضَ اللَّفْظَانِ الْمَذْكُورَانِ وَنَظَرْنَا فِيهِ النَّظَرَ الْمَذْكُورَ، وَيُرَجِّحُهُ أَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الْإِخْوَةِ وَعَلَى الْبَاقِينَ مِنْهُمْ، كَالْخَاصِّ، وَقَوْلُهُ: وَمَنْ مَاتَ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ، كَالْعَامِّ، فَيُقَدَّمُ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ، فَلِذَلِكَ تَرَجَّحَ عِنْدَنَا اخْتِصَاصُ الْأَخِ، وَإِنْ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>