الْمَسْأَلَةِ بِلَا شَكٍّ؛ لِأَنَّ فَرْضَهَا فِي ظَنٍّ فَاسِدٍ اسْتَنَدَ إِلَيْهِ ظَانًّا صِحَّتَهُ. فَإِنْ قُلْتَ: هَذَا اعْتِقَادٌ فَاسِدٌ وَهُوَ دُونَ الظَّنِّ، قُلْتُ: كَلَّا بَلِ الِاعْتِقَادُ - صَحِيحًا كَانَ أَوْ فَاسِدًا - أَقْوَى مِنَ الظَّنِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَهْلُ الْأُصُولِ؛ إِذْ جَعَلُوهُ قَسِيمَ الْعِلْمِ فِي الْجَزْمِ، وَجَعَلُوا غَيْرَ الْجَازِمِ ظَنًّا وَوَهْمًا وَشَكًّا، وَانْظُرْ جَمْعَ الْجَوَامِعِ تَجِدْهُ فِيهِ، وَيَقْرُبُ مِنْ هَذَا الْفَرْعِ مَا نَقَلَهُ فِي الْخَادِمِ عَنْ فَتَاوَى القاضي حسين: لَوْ حَلَفَ شَافِعِيٌّ بِالطَّلَاقِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَقْرَأِ الْفَاتِحَةَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَسْقُطْ فَرْضُهُ، وَحَلَفَ حَنَفِيٌّ أَنَّهُ يَسْقُطُ، وَقَعَ طَلَاقُ زَوْجَةِ الْحَنَفِيِّ، وَإِنَّ كُنَّا لَا نُسَلِّمُ الْوُقُوعَ فِي هَذَا الْفَرْعِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِمَّا تَبَيَّنَ الْقَطْعُ بِفَسَادِهِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمُعْتَزِلِيِّ وَالرَّافِضِيِّ.
الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ: قَالَ الرافعي: لَوْ جَلَسَ مَعَ جَمَاعَةٍ فَقَامَ وَلَبِسَ خُفَّ غَيْرِهِ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: اسْتَبْدَلْتَ بِخُفِّكَ وَلَبِسْتَ خُفَّ غَيْرِكَ، فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ خَرَجَ بَعْدَ خُرُوجِ الْجَمَاعَةِ وَلَمْ يَبْقَ هُنَاكَ إِلَّا مَا لَبِسَهُ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَبْدِلْ، وَإِنَّمَا اسْتَبْدَلَ الْخَارِجُونَ قَبْلَهُ، وَإِنْ بَقِيَ غَيْرُهُ طَلُقَتْ، وَاسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ النووي فَقَالَ: صَوَابُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إِنْ خَرَجَ بَعْدَ الْجَمِيعِ نُظِرَ، إِنْ قَصَدَ أَنِّي لَمْ آخُذْ بَدَلَهُ، كَانَ كَاذِبًا، فَإِنْ كَانَ عَالِمًا أَنَّهُ أَخَذَ بَدَلَهُ طَلُقَتْ، وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا فَعَلَى قَوْلَيْ طَلَاقِ النَّاسِي، وَهَذَا هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي أَخَذَ مِنْهُ مَنْ أَخَذَ اسْتِوَاءَ حَالَتَيِ الْمُضِيِّ وَالِاسْتِقْبَالِ، وَلَيْسَ كَمَا ظَنُّوهُ، بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى إِجْرَاءِ الْخِلَافِ فَقَطْ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرافعي فِي أَوَائِلِ الْأَيْمَانِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الِاسْتِوَاءُ فِي التَّصْحِيحِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ مَعْرُوفٌ، خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ فِي الْمُهِمَّاتِ، حَيْثُ تَعَقَّبَ الْمَوْضِعَ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ بِحِنْثِ النَّاسِي، وَاسْتَنَدَ فِي ذَلِكَ إِلَى قَوْلِ الرافعي فِي الْأَيْمَانِ أَنَّ الْيَمِينَ تَنْعَقِدُ عَلَى الْمَاضِي كَمَا تَنْعَقِدُ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ، وَأَنَّهُ إِنْ كَانَ جَاهِلًا، فَفِي الْحِنْثِ قَوْلَانِ، كَمَنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا فَفَعَلَهُ نَاسِيًا، فَظَنَّ مِنَ التَّشْبِيهِ اسْتِوَاءَهُمَا فِي الصَّحِيحِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا أَوْضَحَهُ هُوَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنَ الْمُهِمَّاتِ، وَإِنَّمَا قُلْتُ ذَلِكَ هُنَا لِأُمُورٍ:
مِنْهَا مُوَافَقَةُ الْمَوْضِعَيْنِ السَّابِقَيْنِ وَإِلَّا لَأَدَّى إِلَى التَّنَاقُضِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ دَرْأَهُ أَوْلَى، وَمِنْهَا أَنَّ الرافعي فِي الشَّرْحِ لَمْ يُصَحِّحْ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِقْبَالَ شَيْئًا، بَلْ حَكَى الْقَوْلَيْنِ بِلَا تَرْجِيحٍ، وَإِنَّمَا الَّذِي رَجَّحَ عَدَمَ الْحِنْثِ النووي فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ، فَأَكْثَرُ مَا وَقَعَ مِنَ الرافعي أَنَّهُ حَكَى فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِقْبَالِ قَوْلَيْنِ بِلَا تَرْجِيحٍ، ثُمَّ حَكَاهُمَا فِي مَسْأَلَةِ الْمُضِيِّ كَذَلِكَ، فَكَيْفَ يُنْسَبُ لَهُ تَصْحِيحُ عَدَمِ الْحِنْثِ فِي الْمُضِيِّ، وَهُوَ لَمْ يُصَحِّحْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ شَيْئًا؟ وَإِذَا كَانَ عَلَى تَقْدِيرِ تَصْحِيحِهِ فِي الِاسْتِقْبَالِ عَدَمَ الْحِنْثِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute