الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ، وَإِذَا جَرَى مَجْرَى التَّعْلِيقِ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَهُ، هَذِهِ عِبَارَةُ ابن رزين بِحُرُوفِهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْحَالَةَ الثَّانِيَةَ وَهِيَ التَّعْلِيقُ عَلَى الْفِعْلِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَيَفْعَلُهُ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا، وَصَحَّحَ عَدَمَ الْحِنْثِ فِيهَا كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَجَزَمَ بِمَا قَالَهُ ابن رزين مِنْ غَيْرِ عَزْوٍ إِلَيْهِ القمولي فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ كَمَا رَأَيْتُهُ فِيهِ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْأَذْرُعِيُّ فِي الْقُوتِ، وَقَالَ: إِنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ ابن رزين، وَذَكَرَ أَيْضًا الزركشي فِي الْخَادِمِ كَلَامَ ابن رزين، وَقَالَ: تَابَعَهُ القمولي وَغَيْرُهُ.
قُلْتُ: وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ ابن رزين تَقْيِيدُ مَحَلِّ الْخِلَافِ بِقَيْدَيْنِ مُهِمَّيْنِ:
أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يَقْصِدَ فِي يَمِينِهِ الْحَلِفَ عَلَى ظَنِّهِ، فَإِنْ قَصَدَ أَنَّ ظَنَّهُ كَذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ قَطْعًا.
الثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ بِصِيغَةِ التَّعْلِيقِ، فَإِنْ كَانَ حَنِثَ قَطْعًا، وَهَذَا لَا يَمْتَرِي فِيهِ أَحَدٌ، بِدَلِيلِ مَسْأَلَةِ الْغُرَابِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمِنْهَاجِ، وَإِنَّمَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِأَنِّي رَأَيْتُ بَعْضَ ضُعَفَاءِ الْمُشْتَغِلِينَ يَهِمُونَ فِيهِ وَيَظُنُّونَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ صِيغَةِ التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهَا فِي عَدَمِ الْحِنْثِ فِي الْمُضِيِّ أَيْضًا، وَهَذَا جَهْلٌ مُبِينٌ.
وَقَالَ الْأَذْرُعِيُّ فِي الْقُوتِ: تَكَلَّمَ ابن رزين عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي فَتَاوِيهِ وَأَحْسَنَ، وَلَا ذِكْرَ لِقِسْمِ الْمُضِيِّ فِي كَلَامِهِمْ، وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ: إِنْ قُلْنَا فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِقْبَالِ بِعَدَمِ الْحِنْثِ وَانْحِلَالِ الْيَمِينِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ هُنَا، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَنْحَلُّ كَمَا رَجَّحَهُ الرافعي والنووي، فَقَدْ جَعَلْنَاهُ خَارِجًا مِنَ الْيَمِينِ فَيَحْنَثُ؛ لِأَنَّ فِي إِخْرَاجِهِ عَنِ الْيَمِينِ هُنَا تَكَلُّفًا، فَلَمْ يَحْلِفْ هُنَا إِلَّا عَلَى كَوْنِهِ فِي الْوَاقِعِ كَذَلِكَ لَا عَلَى ظَنِّهِ، ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ يُشْبِهُ أَنْ لَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ؛ لِأَنَّهُ إِذَا حَلَفَ مُعْتَقِدًا فَلَا انْتِهَاكَ، وَيَنْبَغِي وُقُوعُ الطَّلَاقِ إِذَا قَصَدَ تَحْقِيقَ الْخَبَرِ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِنَقِيضِ الْحَالَةِ الَّتِي أَخْبَرَ عَنْهَا وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، وَقَالَ صَاحِبُ الْخَادِمِ: فَصَلَ ابن رزين بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ فِي يَمِينِهِ أَنَّ ظَنَّهُ كَذَلِكَ فَلَا يَحْنَثُ، وَبَيْنَ أَنْ لَا يَقْصِدَ ذَلِكَ فَيَحْنَثُ، وَأَطْلَقَ ابن الصلاح الْحِنْثَ، وَالصَّوَابُ تَفْصِيلُ ابن رزين، قَالَ: وَيَدُلُّ لِعَدَمِ الْحِنْثِ فِي حَالَةِ الْقَصْدِ يَمِينُ عمر فِي ابن صياد أَنَّهُ الدَّجَّالُ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْكَفَّارَةِ، قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْقَصْدِ هَلْ هُوَ حَالَةَ الْيَمِينِ أَوْ بَعْدَهَا؟ الْخِلَافُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ وَنِيَّةِ الْكِنَايَةِ. انْتَهَى.
قَالَ الشَّيْخُ ولي الدين العراقي فِي مُخْتَصَرِ الْمُهِمَّاتِ عِنْدَ قَوْلِ الرَّوْضَةِ: فَإِنْ حَلَفَ عَلَى مَاضٍ كَاذِبًا؛ فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَفِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ نَاسِيًا، مَا نَصُّهُ: قُلْتُ: أَفْهَمُ تَعْبِيرَهُ بِالْجَهْلِ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى نَفْيِ شَيْءٍ جَهِلَ وَجُودَهُ، فَلَوْ حَلَفَ عَلَى إِثْبَاتِ شَيْءٍ بِالتَّوَهُّمِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجْرِيَ فِيهِ الْخِلَافُ، بَلْ يُجْزَمُ بِالْحِنْثِ، وَلَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ، قَالَ: وَالْفَرْقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute