لَافِظًا بِذَلِكَ أَوْ نَاوِيًا لَهُ، فَيَكُونُ صَادِقًا، فَلَمَّا تَرَكَ ذَلِكَ وَعَدَلَ إِلَى الْجَزْمِ بِأَنَّهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَذَلِكَ، وَالْوَاقِعُ بِخِلَافِهِ، كَانَ كَاذِبًا مُقَصِّرًا حَيْثُ لَمْ يَقْتَصِرْ فِي يَمِينِهِ عَلَى ظَنِّهِ بَلْ عَدَّاهُ إِلَى الْوَاقِعِ جَازِمًا بِهِ، فَلَمْ يُعْذَرْ لِذَلِكَ، وَمِمَّا يَصْلُحُ أَنْ يُعَدَّ فَرْقًا رَابِعًا أَنَّ التَّعْلِيقَ فِي الْمَاضِي يَقْتَضِي الْحِنْثَ مَعَ الْجَهْلِ قَطْعًا، كَقَوْلِهِ: إِنْ كَانَتِ امْرَأَتِي فِي الْحَمَّامِ فَهِيَ طَالِقٌ، بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي الْحِنْثَ إِذَا وَقَعَ مَعَ الْجَهْلِ أَوِ النِّسْيَانِ، وَإِذَا افْتَرَقَ الْمُضِيُّ وَالِاسْتِقْبَالُ فِي التَّعْلِيقِ، فَلَا بِدْعَ أَنْ يَفْتَرِقَا فِي الْيَمِينِ؛ لِأَنَّهُ جَارٍ مَجْرَاهُ.
(تَنْبِيهٌ) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ الْبِنَاءِ وَإِجْرَاءِ الْخِلَافِ الِاسْتِوَاءُ فِي التَّصْحِيحِ، وَهَذَا أَمْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَإِنْ قِيلَ: الْغَالِبُ الِاسْتِوَاءُ، قُلْنَا: لَا يَلْزَمُ الْحَمْلُ عَلَى الْغَالِبِ إِلَّا مَعَ عَدَمِ التَّصْرِيحِ بِخِلَافِهِ، عَلَى أَنَّهُ إِنْ أُرِيدَ بِالْغَالِبِ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَكْثَرُ مَعَ كَثْرَةِ مُقَابِلِهِ أَيْضًا، فَهَذَا لَا يَمْنَعُ الْحَمْلَ عَلَى غَيْرِ الْغَالِبِ الْكَثِيرِ، لِمَا قَامَ مِنَ الشَّوَاهِدِ لِذَلِكَ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّ مَا خَالَفَ ذَلِكَ نَادِرٌ جِدًّا، فَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ فِي غَايَةِ الْكَثْرَةِ، وَلَوْلَا خَشْيَةُ الْإِطَالَةِ وَالْخُرُوجِ عَنِ الْمَقْصُودِ لَأَوْرَدْتُ مَسَائِلَهُ هُنَا، وَقَدْ أَفْرَدْتُهَا بِتَأْلِيفٍ مُسْتَقِلٍّ:
وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الرافعي: لَوْ نَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى، فَقَوْلَانِ، أَظْهَرُهُمَا وَهُوَ الْجَدِيدُ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ، قَالَ: وَلَوْ أَدْرَجَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ بِهِ، فَفِيهِ قَوْلَا النِّسْيَانِ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ هُنَا نَفْيُ الْإِعَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَقْصِيرَ فِيهِ، وَفِي الذُّهُولِ بَعْدَ الْعِلْمِ نَوْعُ تَقْصِيرٍ، وَهَذَا الْفَرْعُ أَشْبَهُ شَيْءٍ بِالْمَسْأَلَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا، فَإِنَّ النَّاسِيَ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِقْبَالِ لَا يُنْسَبُ إِلَى تَقْصِيرٍ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمُضِيِّ، فَإِنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الْحَلِفِ عَلَى نَفْيِ الشَّيْءِ بَعْدَ وُقُوعِهِ أَوْ عَكْسِهِ فِيهِ نَوْعُ تَقْصِيرٍ، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الشَّيْخِ تاج الدين السبكي فِي رَفْعِ الْحَاجِبِ: رُبَّ فَرْعٍ لِأَصْلِ ذَلِكَ الْأَصْلِ يَظْهَرُ فِيهِ الْحُكْمُ أَقْوَى مِنْ ظُهُورِهِ فِيهِ؛ لِانْتِهَاضِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا تَرَى الْأَصْحَابَ كَثِيرًا مَا يُصَحِّحُونَ فِي الْمَبْنَى خِلَافَ مَا يُصَحِّحُونَهُ فِي الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ. انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) مِمَّا يَحْصُلُ الِائْتِنَاسُ بِهِ لِمَا قُلْنَاهُ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ: إِنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتَ الطَّرِيقَيْنِ إِذَا كَانَ الْأَصَحُّ فِيهِمَا طَرِيقَةَ الْخِلَافِ، فَالْغَالِبُ أَنَّ الْأَصَحَّ فِيهَا مَا وَافَقَ طَرِيقَةَ الْقَطْعِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا طَرِيقَةٌ قَاطِعَةٌ بِالْحِنْثِ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ ابن الصلاح نَقَلَ ذَلِكَ عَنِ المحاملي، وَحِينَئِذٍ فَالرَّاجِحُ مِنْ قَوْلَيِ الطَّرِيقَةِ الْمَشْهُورَةِ مَا وَافَقَهَا، عَلَى أَنَّ عِنْدِي فِي إِثْبَاتِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ نَظَرًا، فَإِنَّ الْأَذْرَعِيَّ ذَكَرَ أَنَّ الْأَصْحَابَ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِقَسَمِ الْمُضِيِّ، فَالظَّاهِرُ إِجْرَاءُ الْقَوْلَيْنِ فِيهَا مِنْ تَخْرِيجِ الرافعي، ثُمَّ رَأَيْتُ أَنْ أُوَسِّعَ النَّظَرَ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute