بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ إِلَى أَنْ يَصْغُرَ حَجْمُهُ، فَيَصِيرَ بِقَدْرِ صُورَةِ دِحْيَةَ، ثُمَّ يَعُودَ يَنْبَسِطُ إِلَى أَنْ يَصِيرَ كَهَيْئَتِهِ الْأُولَى، وَمَا ذَكَرَهُ الصُّوفِيَّةُ أَحْسَنُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ جِسْمُهُ الْأَوَّلُ بِحَالِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَقَدْ أَقَامَ اللَّهُ لَهُ شَبَحًا آخَرَ، وَرُوحُهُ تَتَصَرَّفُ فِيهِمَا جَمِيعًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ، وَلَا بُعْدَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ إِحْيَاءُ الْمَوْتَى لَهُمْ وَقَلْبُ الْعَصَا ثُعْبَانًا وَأَنْ يُقَدِّرَهُمُ اللَّهُ عَلَى خِلَافِ الْمُعْتَادِ فِي قَطْعِ الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فِي لَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْخَوَارِقِ، فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَخُصَّهُمْ بِالتَّصَرُّفِ فِي بِدَنَيْنِ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ تَخْرُجُ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ وَتَنْحَلُّ بِهِ إِشْكَالَاتٌ غَيْرُ يَسِيرَةٍ، كَقَوْلِهِمْ: جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَهِيَ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَسَقْفُهَا عَرْشُ الرَّحْمَنِ، كَيْفَ أُرِيَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُرْضِ الْحَائِطِ حَتَّى تَقَدَّمَ إِلَيْهَا فِي صَلَاتِهِ لِيَقْتَطِفَ مِنْهَا عُنْقُودًا عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ؟ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ بِطَرِيقِ التَّمَثُّلِ، وَكَمَا يُحْكَى عَنْ قضيب البان الموصلي، وَكَانَ مِنَ الْأَبْدَالِ أَنَّهُ اتَّهَمَهُ بَعْضُ مَنْ لَمْ يَرَهُ يُصَلِّي بِتَرْكِ الصَّلَاةِ وَشَدَّدَ النَّكِيرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، فَتَمَثَّلَ لَهُ عَلَى الْفَوْرِ فِي صُوَرٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَقَالَ: فِي أَيِّ هَذِهِ الصُّوَرِ رَأَيْتَنِي مَا أُصَلِّي، وَلَهُمْ حِكَايَاتٌ كَثِيرَةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَهِيَ مِنْ أُمَّهَاتِ الْقَوَاعِدِ عِنْدَهُمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. هَذَا كُلُّهُ كَلَامُ القونوي بِحُرُوفِهِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ تاج الدين بن السبكي فِي الطَّبَقَاتِ الْكُبْرَى فِي تَرْجَمَةِ أبي العباس الملثم: كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْكَرَامَاتِ وَالْأَحْوَالِ وَمِنْ أَخَصِّ النَّاسِ بِصُحْبَتِهِ تِلْمِيذُهُ الشَّيْخُ الصالح عبد الغفار بن نوح، صَاحِبُ كِتَابِ الْوَحِيدِ فِي عِلْمِ التَّوْحِيدِ، وَقَدْ حَكَى فِي كِتَابِهِ كَثِيرًا مِنْ كَرَامَاتِهِ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَاشْتَغَلْنَا بِالْحَدِيثِ وَكَانَ حَدِيثُهُ يَلَذُّ لِلْمَسَامِعِ، فَبَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْحَدِيثِ وَالْغُلَامُ يَتَوَضَّأُ، فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ: إِلَى أَيْنَ يَا مُبَارَكُ؟ فَقَالَ: إِلَى الْجَامِعِ، فَقَالَ: وَحَيَاتِي صَلَّيْتُ، فَخَرَجَ الْغُلَامُ وَجَاءَ فَوَجَدَ النَّاسَ قَدْ خَرَجُوا مِنَ الْجَامِعِ، قَالَ عبد الغفار: فَخَرَجْتُ فَسَأَلْتُ النَّاسَ، فَقَالُوا: كَانَ الشيخ أبو العباس فِي الْجَامِعِ وَالنَّاسُ تُسَلِّمُ عَلَيْهِ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: أَنَا أُعْطِيتُ التَّبَدُّلَ، قَالَ ابن السبكي: وَلَعَلَّ قَوْلَهُ: صَلَّيْتُ، مِنْ صِفَاتِ الْبَدَلِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ يَكُونُونَ فِي مَكَانٍ وَشَبَحُهُمْ فِي مَكَانٍ آخَرَ، قَالَ: وَقَدْ تَكُونُ تِلْكَ الصِّفَةُ الْكَشْفَ الصُّورِيَّ الَّذِي تَرْتَفِعُ فِيهِ الْجُدْرَانُ وَيَبْقَى الِاسْتِطْرَاقُ، فَيُصَلِّي كَيْفَ كَانَ وَلَا يَحْجُبُهُ الِاسْتِطْرَاقُ. انْتَهَى.
وَقَالَ صفي الدين بن أبي المنصور فِي رِسَالَتِهِ: جَرَتْ لِلشَّيْخِ مفرج بِبَلَدِهِ قَضِيَّةٌ مَعَ أَصْحَابِهِ، قَالَ شَخْصٌ مِنْهُمْ كَانَ قَدْ حَجَّ لِآخَرَ: رَأَيْتُ مفرجا بِعَرَفَةَ، فَنَازَعَهُ الْآخَرُ بِأَنَّ الشَّيْخَ مَا فَارَقَ دَمَامِينَ وَلَا رَاحَ لِغَيْرِهَا، وَحَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالطَّلَاقِ الَّذِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute