للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهُمُ الْمُرْصَدُونَ لِلْجِهَادِ الْمُنْزَلُونَ فِي دِيوَانِ الْفَيْءِ، فَيَكُونُ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ مِنْ حَيْثُ أَنَّهُمُ ارْتَزَقُوا أَمْوَالَ الْفَيْءِ عَلَى أَنْ يَقُومُوا بِدَفْعِ الْكُفَّارِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، فَوَجَبَ عَلَيْهِمُ السَّعْيُ فِي تَحْصِيلِ مَا يَحْصُلُ بِهِ الدَّفْعُ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا وَرَدَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَتَبَ إِلَى أبي عبيدة - عَلِّمُوا غِلْمَانَكُمُ الْعَوْمَ، وَمُقَاتَلَتَكُمُ الرَّمْيَ - وَهَذَا الْوُجُوبُ مِنْ بَابِ إِيجَابِ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ، كَإِيجَابِ نَصْبِ السُّلَّمِ عِنْدَ إِيجَابِ صُعُودِ السَّطْحِ، وَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْوُجُوبِ الْمُطْلَقِ، وَهُوَ أَيْضًا إِذَا نُظِرَ إِلَيْهِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ، لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ إِلَّا بِالنِّسْبَةِ، كَغَسْلِ بَعْضِ الرَّأْسِ وَالرَّقَبَةِ مَعَ الْوَجْهِ فِي الْوُضُوءِ، فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ مُقَدِّمَةِ الْوَاجِبِ، وَيُطْلَقُ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ؛ لِأَجْلِ تَحَقُّقِ اسْتِيعَابِ الْوَجْهِ، وَإِذَا نُظِرَ إِلَيْهِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ كَانَ سُنَّةً؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ فِي الْوُضُوءِ غَسْلُ الْوَجْهِ لَا بَعْضِ الرَّأْسِ وَالرَّقَبَةِ، فَاتَّضَحَ بِهَذَا قَوْلُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ مِنْ قِسْمِ السُّنَّةِ لَا مِنْ قِسْمِ الْوَاجِبِ، وَلَا الْمُبَاحِ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

مَسْأَلَةٌ: فِي أَيِّ سَنَةٍ كَانَ فَرْضُ الْجِهَادِ؟ .

الْجَوَابُ: رَوَى أحمد، وَالتِّرْمِذِيُّ، والحاكم، وَغَيْرُهُمْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أُخْرِجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ قَالَ أبو بكر: أَخْرَجُوا نَبِيَّهُمْ: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: ١٥٦] لَيَهْلَكُنَّ، فَنَزَلَتْ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج: ٣٩] الْآيَةَ، قَالَ أبو بكر: فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَكُونُ قِتَالٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَهِيَ أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْقِتَالِ، قَالَ ابن الحصار مِنْ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ فِي كَتَابِهِ " النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ ": اسْتَنْبَطَ بَعْضُهُمْ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي سَفَرِ الْهِجْرَةِ.

وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: خَرَجَ نَاسٌ مُؤْمِنُونَ مُهَاجِرِينَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَأَتْبَعَهُمْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ فَأَذِنَ اللَّهُ لَهُمْ فِي قِتَالِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ} [الحج: ٣٩] الْآيَةَ فَقَاتَلُوهُمْ.

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ نَفَرًا مِنْ قُرَيْشٍ، وَمِنْ أَشْرَافِ كُلِّ قَبِيلَةٍ اجْتَمَعُوا لِيَدْخُلُوا دَارَ النَّدْوَةِ، فَاعْتَرَضَهُمْ إِبْلِيسُ، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ قَالَ: فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً بِمَكَّةَ، ثُمَّ أَذِنَ اللَّهُ لَهُ بِالْخُرُوجِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَأَمَرَهُمْ بِالْهِجْرَةِ، وَافْتَرَضَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج: ٣٩] الْآيَتَانِ، فَكَانَ هَاتَانِ الْآيَتَانِ أَوَّلَ مَا نَزَلَ فِي الْحَرْبِ.

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْجِهَادِ حِينَ ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ بِمَكَّةَ، وَسَطَتْ بِهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>