ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ الْفَقِيرِ فِي تَيْسِيرِ الْعَسِيرِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَكُونَ نِدًّا لِلَّهِ فِي خَفْضِ مَا رَفَعَ، وَبَذْلِ مَا مَنَعَ، فَقِفْ أَنْتَ حَيْثُ أَوْقَفَكَ حُكْمُ الْحَقِّ، وَدَعْ مَا يَعِنُّ لَكَ مِنْ مَصْلَحَةِ الْخَلْقِ، وَلَا تَكُنْ مِمَّنْ تَبِعَ الرَّأْيَ وَالنَّظَرَ، وَتَرَكَ الْآيَةَ وَالْخَبَرَ، فَحِكْمَةُ اللَّهِ مَطْوِيَّةٌ فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ، وَلَيْسَتْ مِمَّا يَسْتَنْبِطُهُ ذُو الْعِلْمِ بِعِلْمِهِ، وَلَا يَسْتَدِلُّ عَلَيْهِ ذُو الْعَقْلِ بِعَقْلِهِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا، وَقَالَ فِي رِسَالَةٍ تَشْفَعُ إِلَى الْخَلِيفَةِ: وَحَبَاهُ مِنْ عُمْرِ الزَّمَانِ بِعَقْدِ أَلْفٍ وَمِنْ خُلُقِهِ بِعَقِيدَةِ الْأُلْفِ، وَجَعَلَ عَقِبَهُ كَلِمَةً بَاقِيَةً إِذَا أَصْبَحَتِ الْأَعْقَابُ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ - إِلَى أَنْ قَالَ: وَهُوَ يَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ فِي رَجَائِهِ هَذَا مِنَ الْخَائِبِينَ، وَأَنْ يُقَالَ لَهُ: أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ، وَلَيْسَ هُنَا إِلَّا عَفْوُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إِلَى سَفِيرٍ، وَفِيهِ يَصِحُّ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ.
وَقَالَ فِي رِسَالَةٍ أُخْرَى عَنِ الْمَلِكِ الظَّاهِرِ غَازِي إِلَى الْخَلِيفَةِ النَّاصِرِ: وَلَمَّا بَلَغَ الْخَادِمُ مَحْضَرَهُ قَالَ: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا، وَعَدَّ يَوْمَهُ بِالدَّهْرِ كُلِّهِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْأَيَّامِ يَوْمًا.
وَقَالَ فِي رِسَالَةٍ أُخْرَى: فَعَبِقَتِ الْأَسْمَاعُ بِهَذَا الْخَبَرِ الْأَرِيجِ، وَاهْتَزَّتْ لَهُ الْآمَالُ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجِ بَهِيجٍ. وَقَالَ فِي رِسَالَةٍ أُخْرَى: فَأَصْبَحَتْ يَدِي حَمَّالَةَ الْحَطَبِ، وَأَصْبَحَ خَاطِرِي أَبَا جَهْلٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ أَبَا لَهَبٍ، وَقَالَ فِي رِسَالَةٍ أُخْرَى: وَمَحَاهُمُ الْخَطْبُ وَلَمْ يَكُنِ الْخَطْبُ بِمُرِيبٍ، وَكَانَ مَوْعِدُهُمُ الصُّبْحَ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ، وَقَالَ فِي رِسَالَةٍ أُخْرَى: فَظَنَّ فِي سَوْرَةِ قُوَّةِ الِاحْتِمَاءِ وَقَالَ: سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ، وَقَالَ فِي أُخْرَى: وَعِنْدَ ذَلِكَ عَمَدَ الْعَبْدُ إِلَى مَا أُمِيتَ بِهِ مِنْ عَدْلٍ فَجَعَلَهُ حِبَاءً مَنْشُورًا، وَقَدِمَ إِلَى مَا عَمِلَ بِهَا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلَهُ هَبَاءً مَنْثُورًا - إِلَى أَنْ قَالَ: تَبِعْتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَكَابَدَ أَسْبَابًا مِنْهَا آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ - إِلَى أَنْ قَالَ: وَيَرْجُو الْعَبْدُ أَنَّ تَكُونَ وِلَايَتُهُ هَذِهِ وِلَايَةَ بِرٍّ وَإِلْطَافٍ، وَأَنْ يَرْزُقَ اللَّهُ النَّاسَ أَعْوَامًا سِمَانًا يَأْكُلْنَ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْعِجَافِ، وَأَنْ يَكُونَ مِمَّنْ أَصَابَ اللَّهُ بِهِ قَوْمًا إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ، وَأَنْ يَجْعَلَ عَامَهُ هُوَ الْعَامَ الَّذِي فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ، وَلَقَدْ وَجَدَ مِنْ أَلْطَافِ اللَّهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى مَا يُقَالُ مَعَهُ: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى، فَمَا يُرِيهِ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا مَقَامًا، وَكَذَلِكَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا.
وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ فِي أَوَّلِ تَفْسِيرِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا - إِلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ بَيَّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلْ إِلَيْهِمْ حَسْبَمَا عَنَّ لَهُمْ مِنْ مَصَالِحِهِمْ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ، وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ تَذْكِيرًا - إِلَى أَنْ قَالَ: وَمَهَّدَ لَهُمْ قَوَاعِدَ الْأَحْكَامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute