النووي فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: يَجُوزُ لُبْسُ الْعِمَامَةِ بِإِرْسَالِ طَرَفِهَا وَبِغَيْرِ إِرْسَالِهِ، وَلَا كَرَاهَةَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَمْ يَصِحَّ فِي النَّهْيِ عَنْ تَرْكِ إِرْسَالِهَا شَيْءٌ، وَإِرْسَالُهَا إِرْسَالًا فَاحِشًا كَإِرْسَالِ الثَّوْبِ فَيَحْرُمُ لِلْخُيَلَاءِ وَيُكْرَهُ لِغَيْرِ الْخُيَلَاءِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «الْإِسْبَالُ فِي الْإِزَارِ وَالْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ، مَنْ جَرَّ شَيْئًا خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» " رَوَاهُ أبو داود، وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَأَمَّا إِذَا اقْتَدَى الشَّخْصُ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَمَلِ الْعَذَبَةِ وَحَصَلَ لَهُ ضِمْنَ ذَلِكَ خُيَلَاءُ، فَدَوَاؤُهُ أَنْ يُعْرِضَ عَنْهُ وَيُعَالِجَ نَفْسَهُ عَلَى تَرْكِهِ، وَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ تَرْكَ الْعَذَبَةِ، فَإِنْ لَمْ يَزُلْ إِلَّا بِتَرْكِهَا فَلْيَتْرُكْهَا مُدَّةً حَتَّى يَزُولَ ; لِأَنَّ تَرْكَهَا لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ، وَإِزَالَةُ الْخُيَلَاءِ وَاجِبَةٌ، وَأَمَّا: هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: الْأَحَادِيثُ كَلَامُ اللَّهِ؟ فَنَعَمْ بِمَعْنَى أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى - إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٣ - ٤] وَرَوَى أبو داود، وَابْنُ حَيَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمَا يَعْدِلُهُ، فَرُبَّ شَبْعَانَ عَلَى أَرِيكَتِهِ يُحَدِّثُ بِحَدِيثِي فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ وَمَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ، أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ» ".
وَرَوَى أبو داود مِنْ حَدِيثِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ نَحْوَهُ وَفِيهِ: " «أَلَا إِنِّي أَمَرْتُ وَوَعَظْتُ وَنَهَيْتُ عَنْ أَشْيَاءَ إِنَّهَا بِمِثْلِ الْقُرْآنِ أَوْ أَكْثَرَ» "، وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ فِي الْمَطْلُوبِ مَا رَوَاهُ أحمد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَةِ رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي مِثْلُ الْحَيَّيْنِ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا رَبِيعَةُ وَمُضَرُ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا أَقُولُ مَا أَقُولُ» " وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.
وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ: كَانَ جِبْرِيلُ يَنْزِلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسُّنَّةِ كَمَا يَنْزِلُ بِالْقُرْآنِ، أَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْهُ، وَهُوَ شَامِيٌّ ثِقَةٌ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ ; وَلِذَلِكَ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ اسْتَوْعَبْتُهَا فِي الْقِطْعَةِ الَّتِي كَتَبْتُهَا عَلَى سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَةٌ.
مَسْأَلَةٌ: مَا وَجْهُ عَطْفِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا} [آل عمران: ١٩٣] عَلَى قَوْلِهِ: {فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا} [آل عمران: ١٩٣] مَعَ أَنَّ الذُّنُوبَ بِمَعْنَى السَّيِّئَاتِ؟
الْجَوَابُ: فِيهِ أَوْجُهٌ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُرَادَ بِالذُّنُوبِ الْكَبَائِرُ، وَبِالسَّيِّئَاتِ الصَّغَائِرُ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ التَّكْفِيرَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الصَّغَائِرِ كَمَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ.
الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِالذُّنُوبِ مَا قَدَّمُوهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَبِالسَّيِّئَاتِ مَا يَحْدُثُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute