للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِإِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ.

وَرَوَى أحمد أَيْضًا عَنْ سفيان، عَنْ منصور، عَنْ خَالِهِ مُسَافِعٍ، «عَنْ صفية بنت شيبة قَالَتْ: " أَخْبَرَتْنِي امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ وَلَّدَتْ عَامَّةَ أَهْلِ دَارِنَا، أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ، وَقَالَتْ مَرَّةً: أَنَّهَا سَأَلَتْ عثمان: لِمَ دَعَاكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: قَالَ: إِنِّي كُنْتُ رَأَيْتُ قَرْنَيِ الْكَبْشِ حِينَ دَخَلْتُ الْبَيْتَ فَنَسِيتُ أَنْ آمُرَكَ أَنْ تُخَمِّرَهُمَا فَخَمِّرْهُمَا، فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْبَيْتِ شَيْءٌ يَشْغَلُ الْمُصَلِّينَ» ".

قَالَ ابن كثير: هَذَا دَلِيلٌ مُسْتَقِلٌّ عَلَى أَنَّ الذَّبِيحَ إِسْمَاعِيلُ، فَإِنَّ قُرَيْشًا تَوَارَثُوا قَرْنَيِ الْكَبْشِ الَّذِي فَدَى بِهِ إِبْرَاهِيمُ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: قَدْ رَأَيْتُ قَرْنَيِ الْكَبْشِ فِي الْكَعْبَةِ، وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: ثَنَا يونس، أَنَا ابن وهب، أَخْبَرَنِي عمرو بن قيس، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْمُفَدَّى إِسْمَاعِيلُ، وَزَعَمَتِ الْيَهُودُ أَنَّهُ إِسْحَاقُ، وَكَذَبَتِ الْيَهُودُ، وَقَالَ ابن إسحاق: ذَكَرَ محمد بن كعب أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَرْسَلَ إِلَى رَجُلٍ كَانَ يَهُودِيًّا فَأَسْلَمَ، وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ وَكَانَ مِنْ عُلَمَائِهِمْ فَسَأَلَهُ: أَيُّ ابْنَيْ إِبْرَاهِيمَ أُمِرَ بِذَبْحِهِ؟ فَقَالَ: إِسْمَاعِيلُ وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنَّ يَهُودَ لَتَعْلَمُ بِذَلِكَ وَلَكِنَّهُمْ يَحْسُدُونَكُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ، وَقَالَ ابن كثير: نُصَّ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ إِسْمَاعِيلَ وُلِدَ وَلِإِبْرَاهِيمَ سِتٌّ وَثَمَانُونَ سَنَةً، وَوُلِدَ إِسْحَاقُ وَلَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ، وَعِنْدَهُمْ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ إِبْرَاهِيمَ أَنْ يَذْبَحَ ابْنَهُ وَحِيدَهُ - وَفِي نُسْخَةٍ: بِكْرَهُ - فَأَقْحَمُوا هَاهُنَا كَذِبًا وَحَسَدًا (إِسْحَاقَ) وَحَرَّفُوا وَحِيدَكَ بِمَعْنَى الَّذِي لَيْسَ عِنْدَكَ غَيْرُهُ، فَإِنَّ إِسْمَاعِيلَ كَانَ بِمَكَّةَ، وَهَذَا تَحْرِيفٌ وَتَأْوِيلٌ بَاطِلٌ فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ: وَحِيدٌ إِلَّا لِمَنْ لَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ، وَأَيْضًا فَإِنَّ أَوَّلَ وَلَدٍ لَهُ مَعَزَّةُ مَا لَيْسَتْ لِمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْأَوْلَادِ، فَالْأَمْرُ بِذَبْحِهِ أَبْلَغُ فِي الِابْتِلَاءِ وَالِاخْتِبَارِ ; وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ} [الصافات: ١١٢] فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُورَ بِذَبْحِهِ غَيْرُهُ وَقَالَ: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [هود: ٧١] أَيْ يُولَدُ لَهُ وَلَدٌ يُسَمَّى يَعْقُوبَ وَذَلِكَ لَا يَتَخَلَّفُ فَامْتَنَعَ أَنْ يُؤْمَرَ بِذَبْحِهِ، قَالَ: وَمَنْ قَالَ إِنَّهُ إِسْحَاقُ فَإِنَّمَا أَخَذَهُ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بِلَا حُجَّةٍ، وَلَيْسَ فِيهِ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ، قَالَ: وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ لَوْ ثَبَتَ لَقُلْنَا بِهِ عَلَى الرَّأْسِ وَالْعَيْنِ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أبي كريب، عَنْ زيد بن حباب، عَنِ الحسن بن دينار، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنِ الحسن، عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «الذَّبِيحُ إِسْحَاقُ» " والحسن بن دينار مَتْرُوكٌ وَشَيْخُهُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مسلم بن إبراهيم، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ علي بن زيد بِهِ مَرْفُوعًا، ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الحسن، عَنِ الأحنف، عَنِ العباس قَوْلَهُ، وَهَذَا أَشْبَهُ وَأَصَحُّ انْتَهَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>