يُنْكِرُ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ طَالَبَ خاير بك بِدَلِيلٍ مِنَ الْقُرْآنِ عَلَى أَنَّ أبا بكر أَفْضَلُ، وَأَنَّ خاير بك اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} [الليل: ١٧] ؛ فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي حَقِّ أبي بكر، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣] وَأَنَّ ازدمر قَالَ: الْأَتْقَى عَامٌّ فِي أبي بكر وَغَيْرِهِ، وَطَالَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ بِشَهَادَةِ الْعُلَمَاءِ لَهُ بِنَصْرِهِ قَوْلَهُ، وَأَنَّ الشَّيْخَ شمس الدين الجوجري كَتَبَ عَلَى سُؤَالٍ نَظِيرِ هَذَا السُّؤَالِ. فَقُلْتُ: أَرِنِي مَا كَتَبَ. فَأَرَانِيهِ، فَإِذَا فِيهِ أَنَّ الْآيَةَ وَإِنْ نَزَلَتْ فِي أبي بكر فَإِنَّهَا عَامَّةُ الْمَعْنَى؛ إِذِ الْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ، لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، فَقُلْتُ: هَذَا شَأْنُ مَنْ يُلْقِي نَفْسَهُ فِي كُلِّ وَادٍ، وَالرَّجُلُ فَقِيهٌ، فَمَا لَهُ يَتَكَلَّمُ فِي غَيْرِ فَنِّهِ؟ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَفْسِيرِيَّةٌ حَدِيثِيَّةٌ أُصُولِيَّةٌ كَلَامِيَّةٌ نَحْوِيَّةٌ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَبَحِّرًا فِي هَذِهِ الْعُلُومِ الْخَمْسَةِ لَمْ يُحْسِنِ التَّكَلُّمَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَأَنَا أُوَضِّحُ الْكَلَامَ عَلَيْهَا فِي فَصْلَيْنِ:
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي تَقْرِيرِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي حَقِّ أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ بِشْرِ بْنِ السَّرِيِّ، ثَنَا مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى - الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى - وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى} [الليل: ١٧ - ١٩] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ: حَدَّثَنِي محمد بن إبراهيم الأنماطي، ثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، ثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ بِهِ، وَقَالَ ابن المنذر فِي تَفْسِيرِهِ: حَدَّثَنَا موسى بن هارون، ثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، ثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ بِهِ، وَقَالَ الْآجُرِّيُّ فِي الشَّرِيعَةِ: ثَنَا أبو بكر بن أبي داود، ثَنَا محمود بن آدم المروزي، ثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ: ثَنَا أَبِي، ثَنَا محمد بن أبي عمر العدني، ثَنَا سفيان، ثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ أَعْتَقَ سَبْعَةً كُلُّهُمْ يُعَذَّبُ فِي اللَّهِ، مِنْهُمْ بلال وعامر بن فهيرة، وَفِيهِ نَزَلَتْ: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} [الليل: ١٧] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابن عبد الأعلى، ثَنَا ابن ثور، عَنْ معمر قَالَ: أَخْبَرَنِي عَنْ سعيد فِي قَوْلِهِ: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} [الليل: ١٧] قَالَ: نَزَلَتْ فِي أبي بكر، أَعْتَقَ نَاسًا لَمْ يَلْتَمِسْ مِنْهُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا، سِتَّةً أَوْ سَبْعَةً، مِنْهُمْ بلال وعامر بن فهيرة، وَقَالَ ابن إسحاق: حَدَّثَنِي محمد بن أبي عتيق، عَنْ عامر بن عبد الله، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ أبو قحافة لأبي بكر: أَرَاكَ تُعْتِقُ رِقَابًا ضِعَافًا، فَلَوْ أَنَّكَ إِذْ فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ أَعْتَقْتَ رِجَالًا جُلْدًا يَمْنَعُونَكَ وَيَقُومُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute