للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكُتُبِ؟ مَاذَا يَصْنَعُ فِي مَسَائِلَ خَلَتْ عَنْهَا الرَّوْضَةُ بِالْكُلِّيَّةِ؟ بَلْ لَا بُدَّ فِي الْمُفْتِي مِنْ أَنْ يَضُمَّ إِلَى الرَّوْضَةِ حِمْلَ كُتُبٍ، فَإِنْ لَمْ يَنْهَضْ إِلَى ذَلِكَ وَعَسُرَ عَلَيْهِ النَّظَرُ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَصْحَابِهِ الْمُتَقَدِّمِينَ، فَلَا أَقَلَّ مِنِ اسْتِيعَابِ كُتُبِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَقَدْ قَالَ ابن بلبان الحنفي فِي كِتَابِهِ زَلَّةِ الْقَارِئِ: قَالَ الشَّيْخُ أبو عبد الله الجرجاني فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ: لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَ فِي هَذَا الْبَابِ - يَعْنِي بَابَ اللَّحْنِ فِي الْقِرَاءَةِ - إِلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: حَقِيقَةِ النَّحْوِ، وَالْقِرَاءَاتِ الشَّوَاذِّ، وَأَقَاوِيلِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي هَذَا الْبَابِ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ نَقُولَ: لَا شَكَّ فِي أَنَّ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ حَاوٍ لِجَمِيعِ الْعُلُومِ، وَأَئِمَّةُ الْمُفَسِّرِينَ أَصْنَافٌ شَتَّى، كُلُّ صِنْفٍ مِنْهُمْ غَلَبَ عَلَيْهِ فَنٌّ مِنَ الْعُلُومِ، فَكَانَ تَفْسِيرُهُ فِي غَايَةِ الْإِتْقَانِ مِنْ حَيْثُ ذَلِكَ الْفَنُّ الْغَالِبُ عَلَيْهِ، فَيَنْبَغِي لِمَنْ أَرَادَ التَّكَلُّمَ عَلَى آيَةٍ مِنْ حَيْثِيَّةٍ أَنْ يَنْظُرَ تَفْسِيرَ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْفَنُّ الَّذِي تِلْكَ الْحَيْثِيَّةُ مِنْهُ، فَمَنْ أَرَادَ التَّكَلُّمَ عَلَى آيَةٍ مِنْ حَيْثُ التَّفْسِيرُ الَّذِي هُوَ نَقْلٌ مَحْضٌ وَمَعْرِفَةُ الْأَرْجَحِ فِيهِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَنْظُرَ عَلَيْهَا تَفَاسِيرَ أَئِمَّةِ النَّقْلِ وَالْأَثَرِ، وَأَجَلُّهَا تَفْسِيرُ ابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ؛ فَقَدْ قَالَ النووي فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ: كِتَابُ ابْنِ جَرِيرٍ فِي التَّفْسِيرِ لَمْ يُصَنِّفْ أَحَدٌ مِثْلَهُ. وَقَرِيبٌ مِنْهُ مِنْ تَفَاسِيرِ الْمُتَأَخِّرِينَ تَفْسِيرُ الْحَافِظِ عماد الدين ابن كثير. وَكَذَلِكَ مَنْ أَرَادَ التَّكَلُّمَ عَلَى آيَةٍ تَتَعَلَّقُ بِالْأَخْبَارِ السَّابِقَةِ أَوِ الْآتِيَةِ كَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَأَحْوَالِ الْبَرْزَخِ وَالْبَعْثِ وَالْمَلَكُوتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ، فَالْأَوْلَى أَخْذُهَا مِنَ التَّفْسِيرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَسَائِرِ تَفَاسِيرِ الْمُحَدِّثِينَ الْمُسْنَدَةِ؛ كَسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ والفريابي وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَابْنِ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبِي الشَّيْخِ وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُمْ، وَمَنْ أَرَادَ التَّكَلُّمَ عَلَى آيَةٍ مِنْ حَيْثُ عِلْمُ الْكَلَامِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَنْظُرَ عَلَيْهَا تَفْسِيرَ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْكَلَامُ وَاشْتَهَرَ بِالْبَرَاعَةِ فِيهِ، كَابْنِ فُورَكَ والباقلاني وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ والإمام فخر الدين والأصبهاني وَنَحْوِهِمْ، وَمَنْ أَرَادَ التَّكَلُّمَ عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ الْإِعْرَابُ فَالْأَوْلَى أَنْ يَنْظُرَ عَلَيْهَا تَفْسِيرَ أَئِمَّةِ النَّحْوِ الْمُتَبَحِّرِينَ فِيهِ؛ كأبي حيان، وَمَنْ أَرَادَ التَّكَلُّمَ عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ الْبَلَاغَةُ فَالْأَوْلَى أَنْ يَنْظُرَ عَلَيْهَا الْكَشَّافَ وَتَفْسِيرَ الطيبي وَنَحْوَ ذَلِكَ.

وَمَسْأَلَةُ تَفْضِيلِ أبي بكر مِنْ عِلْمِ الْكَلَامِ، وَكَوْنِهِ هُوَ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ مِنْ عِلْمِ التَّفْسِيرِ، فَكَانَ الْأَوْلَى للجوجري قَبْلَ الْكِتَابَةِ أَنْ يَنْظُرَ عَلَيْهَا كِتَابَ ابْنِ جَرِيرٍ وَنَحْوَهُ؛ لِأَجْلِ مَعْرِفَةِ الْأَرْجَحِ فِي التَّفْسِيرِ، وَكِتَابَ الإمام فخر الدين وَنَحْوَهُ؛ لِأَجْلِ مَعْرِفَةِ التَّقْرِيرِ الْكَلَامِيِّ، ثُمَّ يَنْهَضَ إِلَى مُرَاجَعَةِ كُتُبِ أَئِمَّةِ الْكَلَامِ لِيَنْظُرَ كَيْفَ قَرَّرُوا الِاسْتِدْلَالَ بِهَا عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>