وَذَلِكَ الصَّلَاةُ ; فَإِنَّهَا أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ بَعْدَ الْإِيمَانِ، فَكَانَ الْحَدِيثُ عَلَى أُسْلُوبِ الْبَلَاغَةِ مِنْ جَمْعِهِ بَيْنَ أَفْضَلِ أُمُورِ الدُّنْيَا وَأَفْضَلِ أُمُورِ الدِّينِ، وَفِي ذَلِكَ ضَمُّ الشَّيْءِ إِلَى نَظِيرِهِ، وَعَبَّرَ فِي أَمْرِ الدِّينِ بِعِبَارَةٍ أَبْلَغَ مِمَّا عَبَّرَ بِهِ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا، حَيْثُ اقْتَصَرَ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا عَلَى مُجَرَّدِ التَّحَبُّبِ، وَقَالَ فِي أَمْرِ الدِّينِ: جُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي ; فَإِنَّ فِي قُرَّةِ الْعَيْنِ مِنَ التَّعْظِيمِ فِي الْمَحَبَّةِ مَا لَا يَخْفَى.
مَسْأَلَةٌ: فِي قِصَّةِ السَّيِّدِ سُلَيْمَانَ، هَلْ قَالَ: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً، أَوْ قَالَ: عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً؟
الْجَوَابُ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ رِوَايَاتٌ، إِحْدَاهَا: عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً، رَوَاهَا الْبُخَارِيُّ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ، الثَّانِيَةُ: عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً، رَوَاهَا الْبُخَارِيُّ فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ، وَأَشَارَ إِلَيْهَا فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ تَعْلِيقًا، فَقَالَ: قَالَ شعيب وَابْنُ أَبِي الزِّنَادِ: تِسْعِينَ، وَهُوَ أَصَحُّ. هَذِهِ عِبَارَتُهُ، الثَّالِثَةُ: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ بِمِائَةِ امْرَأَةٍ، رَوَاهَا الْبُخَارِيُّ فِي النِّكَاحِ، الرَّابِعَةُ: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى مِائَةِ امْرَأَةٍ، أَوْ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ، هَكَذَا عَلَى الشَّكِّ، رَوَاهَا الْبُخَارِيُّ فِي الْجِهَادِ، الْخَامِسَةُ: عَلَى سِتِّينَ امْرَأَةً، أَشَارَ إِلَيْهَا الحافظ ابن حجر فَقَالَ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ مَا نَصُّهُ: مُحَصَّلُ الرِّوَايَاتِ: سِتُّونَ وَسَبْعُونَ وَتِسْعُونَ وَتِسْعٌ وَتِسْعُونَ وَمِائَةٌ، قَالَ: وَالْجَمْعُ بَيْنَهَا أَنَّ السِّتِّينَ كُنَّ حَرَائِرَ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِنَّ كُنَّ سَرَارِيَّ، أَوْ بِالْعَكْسِ، وَأَمَّا السَّبْعُونَ فَلِلْمُبَالَغَةِ، وَأَمَّا التِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ فَكُنَّ دُونَ الْمِائَةِ وَفَوْقَ التِّسْعِينَ، فَمَنْ قَالَ: تِسْعُونَ أَلْغَى الْكَسْرَ، وَمَنْ قَالَ: مِائَةٌ، جَبَرَهُ، وَمِنْ ثَمَّ وَقَعَ التَّرَدُّدُ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي الْجِهَادِ. انْتَهَى.
قُلْتُ: وَقَدْ وَقَفْتُ عَلَى رِوَايَةٍ سَادِسَةٍ - وَهِيَ أَلْفُ امْرَأَةٍ - أَخْرَجَ الْحَافِظُ أبو القاسم ابن عساكر مِنْ طَرِيقِ الخدري عَنْ مقاتل، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عبد الرحمن، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، «أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ كَانَ لَهُ أَرْبَعُمِائَةِ امْرَأَةٍ وَسِتُّمِائَةِ سُرِّيَّةٍ، فَقَالَ يَوْمًا: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى أَلْفِ امْرَأَةٍ، فَتَحْمِلُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِفَارِسٍ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ، فَطَافَ عَلَيْهِنَّ فَلَمْ تَحْمِلْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ، إِلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ جَاءَتْ بِشِقِّ إِنْسَانٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوِ اسْتَثْنَى فَقَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، لَوُلِدَ لَهُ مَا قَالَ فُرْسَانٌ، وَلَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute