للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي السُّبْحَةِ قَالَ فِيهِ مَا نَصُّهُ: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: عَقْدُ التَّسْبِيحِ بِالْأَنَامِلِ أَفْضَلُ مِنَ السُّبْحَةِ لِحَدِيثِ ابن عمرو، لَكِنْ يُقَالُ إِنَّ الْمُسَبِّحَ إِنْ أَمِنَ مِنَ الْغَلَطِ كَانَ عَقْدُهُ بِالْأَنَامِلِ أَفْضَلَ وَإِلَّا فَالسُّبْحَةُ أَوْلَى.

وَقَدِ اتَّخَذَ السُّبْحَةَ سَادَاتٌ يُشَارُ إِلَيْهِمْ وَيُؤْخَذُ عَنْهُمْ، وَيُعْتَمَدُ عَلَيْهِمْ، كَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ لَهُ خَيْطٌ فِيهِ أَلْفَا عُقْدَةٍ، فَكَانَ لَا يَنَامُ حَتَّى يُسَبِّحَ بِهِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أَلْفَ تَسْبِيحَةٍ قَالَهُ عكرمة، وَفِي سُنَنِ أبي داود مِنْ حَدِيثِ أبي نضرة الغفاري قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ طُفَاوَةَ قَالَ: تَثَوَّيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ بِالْمَدِينَةِ فَلَمْ أَرَ رَجُلًا أَشَدَّ تَشْمِيرًا وَلَا أَقْوَمَ عَلَى ضَيْفٍ مِنْهُ قَالَ: فَبَيْنَمَا أَنَا عِنْدَهُ يَوْمًا وَهُوَ عَلَى سَرِيرٍ لَهُ وَمَعَهُ كِيسٌ فِيهِ حَصًى أَوْ نَوًى وَأَسْفَلَ مِنْهُ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ، وَهُوَ يُسَبِّحُ بِهَا حَتَّى إِذَا أَنْفَدَ مَا فِي الْكِيسِ أَلْقَاهُ إِلَيْهَا فَأَعَادَتْهُ فِي الْكِيسِ فَدَفَعَتْهُ إِلَيْهِ يُسَبِّحُ - قَوْلُهُ تَثَوَّيْتُ - أَيْ تَضَيَّفْتُهُ وَنَزَلْتُ فِي مَنْزِلِهِ - وَالْمَثْوَى الْمَنْزِلُ وَقِيلَ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُسَبِّحُ بِالنَّوَى الْمُجَزَّعِ - يَعْنِي الَّذِي حُكَّ بَعْضُهُ حَتَّى ابْيَضَّ شَيْءٌ مِنْهُ، وَتُرِكَ الْبَاقِي عَلَى لَوْنِهِ - وَكُلُّ مَا فِيهِ سَوَادٌ وَبَيَاضٌ - فَهُوَ مُجَزَّعٌ - قَالَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ: وَذَكَرَ الحافظ عبد الغني فِي الْكَمَالِ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي الدَّرْدَاءِ عُوَيْمِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ كَانَ يُسَبِّحُ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ أَلْفِ تَسْبِيحَةٍ، وَذَكَرَ أَيْضًا عَنْ سَلَمَةَ بْنِ شَبِيبٍ قَالَ: كَانَ خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ يُسَبِّحُ فِي الْيَوْمِ أَرْبَعِينَ أَلْفَ تَسْبِيحَةٍ سِوَى مَا يَقْرَأُ، فَلَمَّا وُضِعَ لِيُغَسَّلَ جَعَلَ بِأُصْبُعِهِ كَذَا يُحَرِّكُهَا - يَعْنِي بِالتَّسْبِيحِ -، وَمِنَ الْمَعْلُومِ الْمُحَقَّقِ أَنَّ الْمِائَةَ أَلْفٍ بَلْ وَالْأَرْبَعِينَ أَلْفًا وَأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا يُحْصَرُ بِالْأَنَامِلِ فَقَدْ صَحَّ بِذَلِكَ وَثَبَتَ أَنَّهُمَا كَانَا يَعُدَّانِ بِآلَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَكَانَ لِأَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ سُبْحَةٌ فَقَامَ لَيْلَةً وَالسُّبْحَةُ فِي يَدِهِ قَالَ: فَاسْتَدَارَتِ السُّبْحَةُ فَالْتَفَّتْ عَلَى ذِرَاعِهِ وَجَعَلَتْ تُسَبِّحُ فَالْتَفَتَ أبو مسلم وَالسُّبْحَةُ تَدُورُ فِي ذِرَاعِهِ وَهِيَ تَقُولُ: سُبْحَانَكَ يَا مُنْبِتَ النَّبَاتِ وَيَا دَائِمَ الثَّبَاتِ، قَالَ: هَلُمِّي يَا أم مسلم فَانْظُرِي إِلَى أَعْجَبِ الْأَعَاجِيبِ، قَالَ: فَجَاءَتْ أم مسلم وَالسُّبْحَةُ تَدُورُ وَتُسَبِّحُ فَلَمَّا جَلَسَتْ سَكَتَتْ. ذَكَرَهُ أبو القاسم هبة الله بن الحسن الطبري فِي كِتَابِ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ.

وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَارِفُ عمر البزار: كَانَتْ سُبْحَةُ الشَّيْخِ أبي الوفا كاكيش - وبالعربي عبد الرحمن - الَّتِي أَعْطَاهَا لِسَيِّدِي الشَّيْخِ محيي الدين عبد القادر الكيلاني قَدَّسَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ إِذَا وَضَعَهَا عَلَى الْأَرْضِ تَدُورُ وَحْدَهَا حَبَّةً حَبَّةً.

وَذَكَرَ القاضي أبو العباس أحمد بن خلكان فِي وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ أَنَّهُ رُئِيَ فِي يَدِ أَبِي الْقَاسِمِ الْجُنَيْدِ بْنِ مُحَمَّدٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>