للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَذْكُرُ اللَّهَ وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ فَوَائِدِهَا، وَبِذَلِكَ كَانَ يُسَمِّيهَا بَعْضُ السَّلَفِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَمِنْ فَوَائِدِهَا أَيْضًا الِاسْتِعَانَةُ عَلَى دَوَامِ الذِّكْرِ، كُلَّمَا رَآهَا ذَكَرَ أَنَّهَا آلَةٌ لِلذِّكْرِ فَقَادَهُ ذَلِكَ إِلَى الذِّكْرِ، فَيَا حَبَّذَا سَبَبٌ مُوَصِّلٌ إِلَى دَوَامِ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ يُسَمِّيهَا حَبْلَ الْوَصْلِ، وَبَعْضُهُمْ رَابِطَةَ الْقُلُوبِ. وَقَدْ أَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِقَوْلِهِ: أَنَّهُ كَانَ مَعَ قَافِلَةٍ فِي دَرْبِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَامَ عَلَيْهِمْ سَرِيَّةُ عَرَبٍ وَجَرَّدُوا الْقَافِلَةَ جَمِيعَهُمْ وَجَرَّدُونِي مَعَهُمْ، فَلَمَّا أَخَذُوا عِمَامَتِي سَقَطَتْ مِسْبَحَةٌ مِنْ رَأْسِي فَلَمَّا رَأَوْهَا، قَالُوا: هَذَا صَاحِبُ سُبْحَةٍ فَرَدُّوا عَلَيَّ مَا كَانَ أُخِذَ لِي، وَانْصَرَفْتُ سَالِمًا مِنْهُمْ. فَانْظُرْ يَا أَخِي إِلَى هَذِهِ الْآلَةِ الْمُبَارَكَةِ الزَّاهِرَةِ وَمَا جُمِعَ فِيهَا مِنْ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ وَلَا مِنَ الْخَلَفِ الْمَنْعُ مِنْ جَوَازِ عَدِّ الذِّكْرِ بِالسُّبْحَةِ، بَلْ كَانَ أَكْثَرُهُمْ يَعُدُّونَهُ بِهَا وَلَا يَرَوْنَ ذَلِكَ مَكْرُوهًا، وَقَدْ رُئِيَ بَعْضُهُمْ يَعُدُّ تَسْبِيحًا فَقِيلَ لَهُ: أَتَعُدُّ عَلَى اللَّهِ؟ فَقَالَ: لَا وَلَكِنْ أَعُدُّ لَهُ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ أَكْثَرَ الذِّكْرِ الْمَعْدُودِ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ الشَّرِيفَةُ لَا يَنْحَصِرُ بِالْأَنَامِلِ غَالِبًا، وَلَوْ أَمْكَنَ حَصْرُهُ لَكَانَ الِاشْتِغَالُ بِذَلِكَ يُذْهِبُ الْخُشُوعَ وَهُوَ الْمُرَادُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَخْرَجَ ابن عساكر فِي تَارِيخِهِ عَنْ بكر بن خنيس عَنْ رَجُلٍ سَمَّاهُ قَالَ: كَانَ فِي يَدِ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ سُبْحَةٌ يُسَبِّحُ بِهَا، قَالَ: فَقَامَ وَالسُّبْحَةُ فِي يَدِهِ فَاسْتَدَارَتِ السُّبْحَةُ فَالْتَفَّتْ عَلَى ذِرَاعِهِ وَجَعَلَتْ تُسَبِّحُ، فَالْتَفَتَ أبو مسلم وَالسُّبْحَةُ تَدُورُ فِي ذِرَاعِهِ وَهِيَ تَقُولُ: سُبْحَانَكَ يَا مُنْبِتَ النَّبَاتِ وَيَا دَائِمَ الثَّبَاتِ، فَقَالَ: هَلُمَّ يَا أم مسلم وَانْظُرِي إِلَى أَعْجَبِ الْأَعَاجِيبِ فَجَاءَتْ أم مسلم وَالسُّبْحَةُ تَدُورُ تُسَبِّحُ فَلَمَّا جَلَسَتْ سَكَنَتْ. وَقَالَ عماد الدين المناوي فِي سُبْحَةٍ:

وَمَنْظُومَةُ الشَّمْلِ يَخْلُو بِهَا ... اللَّبِيبُ فَتَجْمَعُ مِنْ هِمَّتِهْ

إِذَا ذَكَرَ اللَّهَ جَلَّ اسْمُهُ ... عَلَيْهَا تَفَرَّقَ مِنْ هَيْبَتِهْ

مَسْأَلَةٌ: هَلْ تَدَاوَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ ثَمَّ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ، وَقَالَ إِنَّهُ أُمِرَ بِالتَّدَاوِي وَلَمْ يَتَدَاوَ؟.

الْجَوَابُ: نَعَمْ، قَالَ النووي فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ: «هُمُ الَّذِينَ لَا يَكْتَوُونَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ: احْتَجَّ بَعْضُ النَّاسِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ التَّدَاوِيَ مَكْرُوهٌ، وَمُعْظَمُ الْعُلَمَاءِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَاحْتَجُّوا بِمَا وَقَعَ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ مِنْ ذِكْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنَافِعِ الْأَدْوِيَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>