للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومقاتلا ذَكَرَا فِي تَفْسِيرِهِمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} [الملك: ٢] أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْمَوْتَ فِي صُورَةِ كَبْشٍ، لَا يَمُرُّ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا مَاتَ، وَخَلَقَ الْحَيَاةَ فِي صُورَةِ فَرَسٍ لَا تَمُرُّ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا حَيِيَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَيِّتَ يُشَاهِدُ حُلُولَ الْمَوْتِ بِهِ فِي صُورَةِ كَبْشٍ، فَلَا إِشْكَالَ حِينَئِذٍ.

وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّالِثُ: فَهُوَ قَدِيمٌ أَيْضًا، وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ أَنَّهُمْ يَطَّلِعُونَ خَائِفِينَ أَنْ يُخْرَجُوا مِنْ مَكَانِهِمُ الَّذِي هُمْ فِيهِ، وَفُسِّرَ بِأَنَّهُ تَوَهُّمٌ لَا يَسْتَقِرُّ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ تَقَدُّمَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهُ لَا مَوْتَ فِي الْآخِرَةِ ; لِأَنَّ التَّوَهُّمَاتِ تَطْرَأُ عَلَى الْمَعْلُومَاتِ، ثُمَّ لَا تَسْتَقِرُّ، فَكَانَ فَرَحُهُمْ بِإِزَالَةِ التَّوَهُّمِ. وَجَوَابٌ ثَانٍ: وَهُوَ أَنَّ عَيْنَ الْيَقِينِ أَقْوَى مِنْ عِلْمِ الْيَقِينِ، فَمُشَاهَدَتُهُمْ ذَبْحَ الْمَوْتِ أَقْوَى وَأَشَدُّ فِي انْتِفَائِهِ مِنْ تَقَدُّمِ عِلْمِهِمْ ; إِذِ الْعِيَانُ أَقْوَى مِنَ الْخَبَرِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

مَسْأَلَةٌ: ثعلبة الَّذِي رُوِيَ أَنَّهُ نَزَلَ فِيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} [التوبة: ٧٥] الْآيَاتِ، ذَكَرَ الباوردي، وَابْنُ السَّكَنِ، وابن شاهين، وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ ثعلبة بن حاطب أَحَدُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا، قَالَ الحافظ ابن حجر فِي الْإِصَابَةِ: وَلَا أَظُنُّ الْخَبَرَ يَصِحُّ، وَإِنْ صَحَّ فَفِي كَوْنِهِ هُوَ الْبَدْرِيَّ نَظَرٌ، وَقَدْ ذَكَرَ ابن الكلبي: أَنَّ ثعلبة بن حاطب الَّذِي شَهِدَ بَدْرًا قُتِلَ بِأُحُدٍ فَتَأَكَّدَتِ الْمُغَايَرَةُ بَيْنَهُمَا ; فَإِنَّ صَاحِبَ الْقِصَّةِ تَأَخَّرَ فِي خِلَافَةِ عثمان، قَالَ: وَيُقَوِّي ذَلِكَ أَنَّ فِي تَفْسِيرِ ابن مردويه - ثعلبة بن أبي حاطب - والبدري اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ ثعلبة بن حاطب، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ» "، وَحَكَى عَنْ رَبِّهِ أَنَّهُ قَالَ لِأَهْلِ بَدْرٍ: " «اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ» ". فَمَنْ يَكُونُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ؟ كَيْفَ يُعْقِبُهُ اللَّهُ نِفَاقًا فِي قَلْبِهِ، وَيَنْزِلُ فِيهِ مَا يَنْزِلُ؟ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُهُ، انْتَهَى.

وَنَظِيرُ هَذَا مَا رُوِيَ فِي سَبَبِ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ} [الأحزاب: ٥٣] الْآيَةَ. أَنَّ طلحة بن عبيد الله قَالَ: يَتَزَوَّجُ مُحَمَّدٌ بَنَاتَ عَمِّنَا وَيَحْجُبُهُنَّ عَنَّا، لَئِنْ مَاتَ لَأَتَزَوَّجَنَّ عائشة مِنْ بَعْدِهِ، فَنَزَلَتْ، وَقَدْ كُنْتُ فِي وَقْفَةٍ شَدِيدَةٍ مِنْ صِحَّةِ هَذَا الْخَبَرِ ; لِأَنَّ طلحة أَحَدُ الْعَشَرَةِ أَجَلُّ مَقَامًا مِنْ أَنْ يَصْدُرَ مِنْهُ ذَلِكَ، حَتَّى رَأَيْتُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ رَجُلٌ آخَرُ شَارَكَهُ فِي اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَنَسَبِهِ ; فَإِنَّ طلحة الْمَشْهُورَ الَّذِي هُوَ أَحَدُ الْعَشَرَةِ - طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم التيمي - وطلحة صَاحِبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>