للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» " قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: خَبَرٌ صَحِيحٌ. قَالَ الزركشي فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الشَّرْحِ: اعْتَلَّ مَنْ سَلَّمَ تَرْكَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ بِعِلَلٍ، مِنْهَا أَنَّهُ اسْتَغْنَى بِفَضِيلَةِ أَبِيهِ عَنِ الصَّلَاةِ، كَمَا اسْتَغْنَى الشَّهِيدُ بِفَضِيلَةِ الشَّهَادَةِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يُصَلِّي نَبِيٌّ عَلَى نَبِيٍّ، وَقَدْ جَاءَ أَنَّهُ لَوْ عَاشَ لَكَانَ نَبِيًّا، انْتَهَى.

(فَصْلٌ) : قَالَ الشيخ تقي الدين [السبكي] فِي حَدِيثِ: ( «كُنْتُ نَبِيًّا وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ» ) ، فَإِنْ قُلْتَ: النُّبُوَّةُ وَصْفٌ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَوْصُوفُ بِهِ مَوْجُودًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ بُلُوغِ أَرْبَعِينَ سَنَةً أَيْضًا، فَكَيْفَ يُوصَفُ بِهِ قَبْلَ وُجُودِهِ وَقَبْلَ إِرْسَالِهِ؟ قُلْتُ: قَدْ جَاءَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْأَرْوَاحَ قَبْلَ الْأَجْسَادِ، فَقَدْ تَكُونُ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: كُنْتُ نَبِيًّا إِلَى رُوحِهِ الشَّرِيفَةِ، وَإِلَى حَقِيقَتِهِ، وَالْحَقَائِقُ تَقْصُرُ عُقُولُنَا عَنْ مَعْرِفَتِهَا، وَإِنَّمَا يَعْلَمُهَا خَالِقُهَا، وَمَنْ أَمَدَّهُ بِنُورٍ إِلَهِيٍّ، ثُمَّ إِنَّ تِلْكَ الْحَقَائِقَ يُؤْتِي اللَّهُ كُلَّ حَقِيقَةٍ مِنْهَا مَا يَشَاءُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَشَاءُ، فَحَقِيقَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَكُونُ مِنْ قَبْلِ خَلْقِ آدَمَ، آتَاهَا اللَّهُ ذَلِكَ الْوَصْفَ بِأَنْ يَكُونَ خَلَقَهَا مُتَهَيِّئَةً لِذَلِكَ، وَأَفَاضَهُ عَلَيْهَا مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَصَارَ نَبِيًّا انْتَهَى. وَمِنْ هَذَا يُعْرَفُ تَحْقِيقُ نُبُوَّةِ السَّيِّدِ إبراهيم فِي حَالِ صِغَرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ سِنَّ الْوَحْيِ.

مَسْأَلَةٌ: مِنْ قَاضِي الْقُضَاةِ، شَيْخِ الشُّيُوخِ تاج الدين بن عربشان الحنفي، الْمَسْئُولِ مِنْ تَفَضُّلَاتِ مَوْلَانَا شَيْخِ الْإِسْلَامِ - أَمْتَعَ اللَّهُ بِوُجُودِهِ الْأَنَامَ - تَوْضِيحُ التَّحْرِيرِ فِي ذِكْرِ أَوْلَادِ الْبَتُولِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي مَجْلِسٍ عِنْدَ بَعْضِ عِظَامِ الْأُمَرَاءِ: أَنَّ أَوْلَادَهَا الحسن، والحسين، ومحسن، فَوَقَعَ مِنْ بَعْضِ الْحَاضِرِينَ تَوَقُّفٌ فِي محسن، فَنَظَمَ الْعَبْدُ ذَلِكَ فِي أَبْيَاتٍ، فَأَرَادَ عَرْضَ ذَلِكَ عَلَى الْمَسَامِعِ الْكَرِيمَةِ، أَفَاضَ اللَّهُ عَلَيْهَا نِعَمَهُ الْجَسِيمَةَ ; لِيَزُولَ مَا أَشْكَلَ مِنَ الْإِبْهَامِ بِقَصْدِ الِاسْتِفَادَةِ مِنَ الْإِمَامِ، فَإِنَّ الِاسْتِفَادَةَ مِنَ الْمَوْلَى أَحْرَى وَأَوْلَى، أَمَدَّ اللَّهُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ مَدِيدِ فَضْلِكُمْ، وَأَغْدَقَ مِنْ وَافِرِ بَسِيطِ طَوِيلِكُمْ، فَإِنَّ بَابَكُمُ الْعَالِيَ كَعْبَةُ الْإِفَادَةِ رَزَقَكُمُ اللَّهُ الْحُسْنَى وَزِيَادَةً.

وَأَجَبْتُ: وَقَفْتُ عَلَى هَذَا الدُّرِّ النَّظِيمِ، وَالْعِقْدِ الَّذِي حَوَى كُلَّ جَوْهَرٍ فَرْدٍ عَظِيمٍ، فَوَجَدْتُ رَاقِمَهُ - أَعَزَّهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَبْدَعَ فِيمَا رَقَمَ، وَأَتَى بِالْعَجَبِ الْعُجَابِ فِيمَا نَثَرَ وَنَظَمَ، وَأَصَابَ فِي ذِكْرِهِ الْمُحَسِّنَ صَوْبَ الصَّوَابِ، وَأَتَى فِي تَقْرِيرِهِ بِالْحِكْمَةِ وَفَصْلِ الْخِطَابِ، وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ، أَوْ يُمْكِنُ تَوْجِيهُ الْإِنْكَارِ لِمُحَسِّنٍ، وَقَدْ وَرَدَ الْحَدِيثُ الْمُسْنَدُ وَالْأَثَرُ عَنْ سَيِّدِ بَنِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ: أَنَّهُ سَمَّى أَوْلَادَ فاطمة بالحسن، والحسين، ومحسن وَنِعْمَ الْمُحَبِّرُ، وَقَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>