النِّسَاءُ فِي قَعْرِ بُيُوتِهِنَّ، وَالْأَطْفَالُ، وَالْيَهُودُ، وَالنَّصَارَى، وَالْمَجُوسُ، وَسَائِرُ الْفِرَقِ حَتَّى الْحَيَوَانَاتُ، وَالْحَجَرُ، وَالشَّجَرُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ عَلَى تَسْمِيَةِ مَنْ كَانَ عَلَى دِينِ مُوسَى يَهُودِيًّا، وَمَنْ كَانَ عَلَى دِينِ عِيسَى نَصْرَانِيًّا، وَمَنْ كَانَ عَلَى دِينِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْلِمًا، لَا يَمْتَرِي فِي ذَلِكَ كَبِيرٌ، وَلَا صَغِيرٌ، وَلَا عَالِمٌ، وَلَا جَاهِلٌ، وَلَا مُسْلِمٌ، وَلَا كَافِرٌ، فَتَرَى هَذَا الْإِطْبَاقَ نَاشِئٌ عَنْ لَا شَيْءَ، وَمَبْنِيٌّ عَلَى فَسَادٍ؟ كَلَّا بَلْ هُوَ الْحَقُّ الْمُطَابِقُ لِلْوَاقِعِ وَاللَّهُ الْهَادِي لِلصَّوَابِ.
ذِكْرُ الْأَدِلَّةِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا لِلْقَوْلِ الْآخَرِ: اسْتَنَدَ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات: ٣٥] . وَالْجَوَابُ عَلَى ذَلِكَ مَا حَقَّقَهُ صَاحِبُ الْقَوْلِ الرَّاجِحِ أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ كَانَ يُطْلَقُ فِيمَا تَقَدَّمَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَالْبَيْتُ الْمَذْكُورُ بَيْتُ لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مُسْلِمٌ إِلَّا هُوَ وَبَنَاتُهُ، وَهُوَ نَبِيٌّ، فَصَحَّ إِطْلَاقُهُ عَلَيْهِ بِالْأَصَالَةِ، وَأُطْلِقَ عَلَى بَنَاتِهِ إِمَّا عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيبِ، وَإِمَّا عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِيَّةِ، إِذْ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يُخْتَصَّ أَوْلَادُ الْأَنْبِيَاءِ بِخَصَائِصَ لَا يُشَارِكُهُمْ فِيهَا بَقِيَّةَ الْأُمَّةِ، كَمَا اخْتَصَّ السَّيِّدُ إبراهيم ابْنُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَاشَ لَكَانَ نَبِيًّا، وَكَمَا اخْتُصَّتْ فاطمة بِأَنَّهُ لَا يُتَزَوَّجُ عَلَيْهَا، وَكَمَا اخْتُصَّتْ أَيْضًا بِأَنَّهَا تَمْكُثُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ، وَكَذَلِكَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتُصُّوا بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، والحسن، والحسين اخْتُصُّوا بِجَوَازِ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الْجَنَابَةِ، كُلُّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِيَّةِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَذَلِكَ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يُوصَفَ أَوْلَادُ الْأَنْبِيَاءِ بِمَا وُصِفَ بِهِ آبَاؤُهُمْ تَبَعًا لَهُمْ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى عَنْ أَوْلَادِ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ} [البقرة: ١٣٣]- إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: ١٣٣] إِمَّا عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِيَّةِ لَهُ إِنْ لَمْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ مَعَ أَنَّ فِيهِمْ يُوسُفَ وَهُوَ نَبِيٌّ قَطْعًا فَلَعَلَّهُ هُوَ الَّذِي تَوَلَّى الْجَوَابَ فَأَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِالْأَصَالَةِ وَأَدْرَجَ إِخْوَتَهُ مَعَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيبِ وَإِنْ كَانُوا أَنْبِيَاءَ كُلَّهُمْ فَلَا إِشْكَالَ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالَ مُوسَى يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} [يونس: ٨٤] إِمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى التَّغْلِيبِ فَإِنَّهُ خَاطَبَهُمْ وَفِيهِمْ أَخُوهُ هَارُونُ وَيُوشَعُ، وَهُمَا نَبِيَّانِ فَأُدْرِجَ بَقِيَّةُ الْقَوْمِ فِي الْوَصْفِ تَغْلِيبًا، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إِنْ كُنْتُمْ مُنْقَادِينَ لِي فِيمَا آمُرُكُمْ بِهِ، وَهَذِهِ الْآيَاتُ أُورِدَتْ عَلَيَّ مَرَّةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute