لَقُلْتُ بِهِ وَقَدْ صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ والحاكم وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، ثُمَّ أَطَالَ الْكَلَامَ فِي تَقْرِيرِهِ الْجَوَابَ عَنْ حَدِيثِ أبي بكرة، وَقَدْ وَرَدَ أَثَرٌ فِي سُقُوطِ الْفَضِيلَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِعَيْنِهَا أَوْرَدَهُ الْبَيْهَقِيُّ مُسْتَدِلًّا بِهِ - وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الشَّافِعِيَّةِ - فَرَوَى مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبراهيم فِيمَنْ صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ، فَقَالَ: صَلَاتُهُ تَامَّةٌ، وَلَيْسَ لَهُ تَضْعِيفٌ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا تَحْصُلُ لَهُ الْمُضَاعَفَةُ إِلَى بِضْعٍ وَعِشْرِينَ الَّذِي هُوَ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْأَدَاءِ خَلْفَ الْقَضَاءِ وَعَكْسُهُ: الْأَوْلَى الِانْفِرَادُ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ، قَالَ فِي الْخَادِمِ: وَإِذَا كَانَ الْأَوْلَى الِانْفِرَادَ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ، فَهَذِهِ صُورَةٌ أُخْرَى، وَقَالَ الْحَافِظُ ابن حجر وَالشَّيْخُ جلال الدين المحلي فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ فِي مَسْأَلَةِ الِاقْتِدَاءِ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ: صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَيُؤْخَذُ مِنَ الْكَرَاهَةِ سُقُوطُ الْفَضِيلَةِ عَلَى قِيَاسِ مَا ذُكِرَ فِي الْمُقَارَنَةِ، فَهَذِهِ صُورَةٌ ثَامِنَةٌ، وَرَأَيْتُ الشَّيْخَ جلال الدين يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ حَيْثُ وُجِدَتِ الْكَرَاهَةُ سَقَطَتِ الْفَضِيلَةُ، كَمَا لَا يَخْفَى ذَلِكَ مِنْ عِبَارَتِهِ.
وَمِمَّا يَدُلُّ لِلْكَرَاهَةِ فِي الصُّورَةِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِهَا، قَوْلُهُمْ بِجَوَازِ التَّخَطِّي فِي مِثْلِهَا، مَعَ أَنَّ أَصْلَ التَّخَطِّي مَكْرُوهٌ كَرَاهَةً شَدِيدَةً عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَحَرَامٌ عِنْدَ قَوْمٍ، وَاخْتَارَهُ النووي لِلْأَحَادِيثِ، فَلَوْلَا أَنَّهُ أَمْرٌ مُهِمٌّ جِدًّا مَا أُبِيحَ لَهُ مَا هُوَ فِي الْأَصْلِ مُحَرَّمٌ أَوْ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةً شَدِيدَةً مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ " (فَإِنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ) ، وَمِمَّا يُؤْنِسُكَ بِهَذَا أَنَّ مِنْ قَوَاعِدِ الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ أَنَّ مَا كَانَ مَمْنُوعًا إِذَا جَازَ وَجَبَ، وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ نَفِيسَةٌ اسْتَدَلُّوا بِهَا عَلَى إِيجَابِ الْخِتَانِ، فَإِنَّ قَطْعَ جُزْءٍ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ مَمْنُوعٌ مِنْهُ، فَلَمَّا جَازَ كَانَ وَاجِبًا، وَتَقْرِيرُهُ هُنَا أَنَّ التَّخَطِّيَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ إِمَّا تَحْرِيمًا أَوْ كَرَاهَةً، فَلَمَّا جَازَ بَلْ طُلِبَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ فِي حُصُولِ الْفَضِيلَةِ وَالتَّضْعِيفِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا فِي ذَاتِهِ، إِذْ لَا يَأْثَمُ تَارِكُهُ وَلَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ.
وَأَمَّا تَحْرِيرُ الْفَرْقِ بَيْنَ بَرَكَةِ الْجَمَاعَةِ وَفَضِيلَتِهَا، فَفِي الْخَادِمِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ بَعْدَ رُكُوعِ الْأَخِيرَةِ ذَكَرُوا أَنَّ كَلَامَ الرافعي فِي آخِرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَقْتَضِي أَنَّ بَرَكَةَ الْجَمَاعَةِ أَمْرٌ غَيْرُ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ، وَأَنَّ الْبَرَكَةَ هِيَ الَّتِي تَحْصُلُ لِهَذَا دُونَ الْفَضِيلَةِ، قَالَ: وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ تَنَاقُضٍ أَوْ إِشْكَالٍ، وَقَدْ وَقَعَ فِي ذِكْرِ حِكْمَةِ هَذَا الْعَدَدِ الْمَخْصُوصِ فِي الْحَدِيثِ مَا يُؤَيِّدُ الْفَرْقَ بَيْنَ بَرَكَةِ الْجَمَاعَةِ وَفَضِيلَتِهَا، قَالَ الْحَافِظُ ابن حجر: ذَكَرَ المحب الطبري أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: إِنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا يُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute