للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَرَّتَيْنِ، حَيْثُ ذُكِرَتْ فِي قَوْلِهِ: {قَالُوا آمَنَّا بِهِ} [القصص: ٥٣] وَكُرِهَ إِعَادَتُهَا مَرَّةً أُخْرَى فِي الْآيَةِ، وَحُذِفَتْ إِزَالَةً لِتَعَلُّقِ التَّكْرَارِ.

الْجَوَابُ الثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ مِنْهُمْ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِ الأشعري مِنْ أَنَّ مَنْ كَتَبَ اللَّهُ أَنَّهُ يَمُوتُ مُؤْمِنًا فَهُوَ يُسَمَّى عِنْدَ اللَّهِ مُؤْمِنًا وَلَوْ فِي حَالَةِ كَفْرٍ سَبَقَتْ، وَكَذَا بِالْعَكْسِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُطْلَقْ عَلَيْهِ هَذَا الْوَصْفُ عِنْدَنَا لِعَدَمِ عِلْمِنَا بِالْخَوَاتِمِ وَالْمُسْتَقْبَلَاتِ، فَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ لَمَّا خُتِمَ لَهُمْ بِالدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ وَصَفُوا أَنْفُسَهُمْ بِهِ مِنْ أَوَّلِ أَمْرِهِمْ ; لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي هَذَا الْوَصْفِ بِالْخَاتِمَةِ، وَإِذَا كَانَ الْكَافِرُ الْمُشْرِكُ يُوصَفُ فِي حَالِ شِرْكِهِ بِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ عِنْدَ الأشعري لِمَا قُدِّرَ لَهُ مِنَ الْإِيمَانِ عِنْدَ الْخَاتِمَةِ، فَلَأَنْ يُوصَفُ بِالْإِسْلَامِ [مَنْ كَانَ عَلَى دِينِ حَقٍّ لِمَا قُدِّرَ لَهُ مِنَ الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ] عِنْدَ الْخَاتِمَةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَهَذَا مَعْنًى دَقِيقٌ اسْتَفَدْنَاهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ قَوَاعِدِ عِلْمِ الْكَلَامِ، وَبِهَذَا يُعْرَفُ أَنَّ مَنْ لَمْ يُتْقِنِ الْعُلُومَ كُلَّهَا وَيَطَّلِعَ عَلَى مَذَاهِبِ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ وَمَدَارِكِهَا وَقَوَاعِدِهَا لَمْ يُمْكِنْهُ اسْتِدْلَالٌ وَلَا اسْتِنْبَاطٌ، وَهَذَا أَمْرٌ لَيْسَ بِالْهَيِّنِ:

لَا تَحْسَبِ الْمَجْدَ تَمْرًا أَنْتَ آكِلُهُ ... لَنْ تَبْلُغَ الْمَجْدَ حَتَّى تَلْعَقَ الصَّبْرَا

فَصْلٌ: حَيْثُ ذَكَرَ اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ فِي الْقُرْآنِ ذَكَرَهَا بِالْإِسْلَامِ أَوِ الْإِيمَانِ خِطَابًا وَغَيْبَةً، كَقَوْلِهِ: {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ} [الحج: ٧٨] ، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: ١٠٤] ، {أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ} [النور: ٣١] . وَحَيْثُ ذَكَرَ الْأُمَمَ السَّابِقَةَ لَمْ يَصِفْهُمْ قَطُّ بِإِسْلَامٍ لَا إِنْ ذَمَّهُمْ وَلَا إِنْ مَدَحَهُمْ بَلْ [قَالَ] : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ} [البقرة: ٦٢] ، وَقَالَ: {قُلْ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ} [الجمعة: ٦] . وَقَالَ: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا} [المائدة: ٤٤] وَقَالَ: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا} [المائدة: ٨٢] الْآيَاتِ. فَهَذِهِ الْآيَةُ ذَكَرَتْ مَدْحًا لِمُؤْمِنِي النَّصَارَى وَلَمْ يُسَمِّهِمْ مُسْلِمِينَ بَلْ قَالَ: {الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} [المائدة: ٨٢] ، وَقَالَ فِي غَيْرِ آيَةٍ عِنْدَ مَدْحِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ وَمِنَ الْيَهُودِ: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} [البقرة: ١٢١] ،

<<  <  ج: ص:  >  >>