للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَيْءٍ بِشَيْءٍ وَلَا انْتِقَالَ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ، بَلْ أَجْرَى اللَّهُ الْعَادَةَ بِأَنَّ الْوَاحِدَ إِذَا قَابَلَ الشَّيْءَ الصَّقِيلَ خَلَقَ اللَّهُ لَهُ رُؤْيَةً يَرَى بِهَا نَفْسَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الصَّقِيلِ عَلَى شَيْءٍ، فَلَا، أَمَا تَرَى أَنَّهُ إِنْ لَمَسَ وَجْهَهُ فَوَجْهَ نَفْسِهِ لَمَسَ لَا وَجْهٌ ظَهَرَ فِيهِ ; فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمِرْآةِ شَيْءٌ، وَهَذَا الْقَوْلُ يُوجِبُ عَلَيْهِمُ الْإِقْرَارَ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْقَدِيمِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي مريم وَلَا فِي عِيسَى شَيْءٌ، وَيُبْطِلُ عَلَيْهِمُ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لَاهُوتِيٌّ وَنَاسُوتِيٌّ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْخَاتَمِ وَنَقْشِهِ مَعَ الشَّمْعِ فَلَيْسَ يَحْصُلُ مِنَ الْفَصِّ فِي الشَّمْعِ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا يَتَرَكَّبُ الشَّمْعُ تَرْكِيبًا مِنْ بَعْضِهِ فِي بَعْضٍ، ثُمَّ إِنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ كُلَّهُ إِنَّمَا يَجُوزُ بَيْنَ الْمُتَمَاسَّيْنِ الْمُتَجَاوِرَيْنِ الْمُتَلَاصِقَيْنِ الْجِسْمَيْنِ الْمَحْدُودَيْنِ الَّذَيْنِ يَجُوزُ فِيهِمَا حُلُولُ الْحَوَادِثِ وَتَغَيُّرُ الْأَوْصَافِ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَتَنَزَّهُ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّ الْكَلِمَةَ انْقَلَبَتْ لَحْمًا وَدَمًا، فَلَا يَجُوزُ ; لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ أَنْ يَنْقَلِبَ الْقَدِيمُ مُحْدَثًا، وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ انْقِلَابُ الْمُحْدَثِ قَدِيمًا فَيَبْطُلُ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا مُحَالٌ فَبَطَلَ مَا قَالُوهُ، انْتَهَى.

وَقَالَ الإمام فخر الدين الرازي فِي كِتَابِ الْمُحَصَّلِ فِي أُصُولِ الدِّينِ: مَسْأَلَةُ الْبَارِي تَعَالَى لَا يَتَّحِدُ بِغَيْرِهِ ; لِأَنَّهُ حَالَ الِاتِّحَادِ إِنْ بَقِيَا مَوْجُودَيْنِ فَهُمَا اثْنَانِ لَا وَاحِدٌ، وَإِنْ صَارَا مَعْدُومَيْنِ فَلَمْ يَتَّحِدَا بَلْ حَدَثٌ ثَالِثٌ، وَإِنَّ عُدِمَ أَحَدُهُمَا وَبَقِيَ الْآخَرُ فَلَمْ يَتَّحِدْ ; لِأَنَّ الْمَعْدُومَ لَا يَتَّحِدُ بِالْمَوْجُودِ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَقَضَى الْقُضَاةِ أَبُو الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ صَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ فِي مُنَاظَرَةٍ نَاظَرَهَا لِبَعْضِ النَّصَارَى فِي ذَلِكَ [الْقَائِلِ] بِالْحُلُولِ أَوِ الِاتِّحَادِ: لَيْسَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِالشَّرِيعَةِ بَلْ فِي الظَّاهِرِ وَالتَّسْمِيَةِ، وَلَا يَنْفَعُ التَّنْزِيهُ مَعَ الْقَوْلِ بِالِاتِّحَادِ وَالْحُلُولِ، فَإِنَّ دَعْوَى التَّنْزِيهِ مَعَ ذَلِكَ إِلْحَادٌ، وَكَيْفَ يَصِحُّ تَوْحِيدٌ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ حَلَّ فِي الْبَشَرِ الْمَأْخُوذِ مِنْ مريم، وَهُنَالِكَ حُلُولُهُ إِمَّا حُلُولُ عَرَضٍ فِي جَوْهَرٍ ; فَيَقُولُونَ بِأَنَّهُ عَرَضٌ، أَوْ حُلُولُ تَدَاخُلِ الْأَجْسَامِ، فَهُوَ جِسْمٌ، وَهُنَالِكَ إِنْ حَلَّ كُلُّهُ فَقَدِ انْحَصَرَ فِي الْقَالَبِ الْبَشَرِيِّ وَصَارَ ذَا نِهَايَةٍ وَبِدَايَةٍ أَوْ بَعْضَهُ فَقَدِ انْقَسَمَ وَتَبَعَّضَ، وَكُلُّ هَذِهِ الْأُمُورِ أَبَاطِيلُ وَتَضَالِيلُ.

وَقَالَ الْقَاضِي عياض فِي الشِّفَا مَا مَعْنَاهُ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى كُفْرِ أَصْحَابِ الْحُلُولِ وَمَنِ ادَّعَى حُلُولَ الْبَارِي سُبْحَانَهُ فِي أَحَدِ الْأَشْخَاصِ كَقَوْلِ بَعْضِ الْمُتَصَوِّفَةِ وَالْبَاطِنِيَّةِ وَالنَّصَارَى وَالْقَرَامِطَةِ. وَقَالَ فِي مَوْضُوعٍ آخَرَ: مَا عُرِفَ اللَّهُ مِنْ شَبَهِهِ وَجِسْمِهِ مِنَ الْيَهُودِ أَوْ أَجَازَ عَلَيْهِ الْحُلُولَ وَالِانْتِقَالَ وَالِامْتِزَاجَ مِنَ النَّصَارَى، وَنَقَلَهُ عَنْهُ النووي فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>