للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنْ يُقَالَ إِنَّ الرَّدَّ يَسْتَلْزِمُ الِاسْتِمْرَارَ ; لِأَنَّ الزَّمَانَ لَا يَخْلُو مِنْ مُصَلٍّ عَلَيْهِ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ فَلَا يَخْلُو مِنْ كَوْنِ الرُّوحِ فِي بَدَنِهِ.

السَّادِسُ: قَدْ يُقَالُ: أَنَّهُ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِهَذَا الْأَمْرِ أَوَّلًا قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا يَزَالُ حَيًّا فِي قَبْرِهِ، فَأَخْبَرَ بِهِ ثُمَّ أُوحِيَ إِلَيْهِ بَعْدَ بِذَلِكَ، فَلَا مُنَافَاةَ لِتَأْخِيرِ الْخَبَرِ الثَّانِي عَنِ الْخَبَرِ الْأَوَّلِ، هَذَا مَا أَفْتَحَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْأَجْوِبَةِ وَلَمْ أَرَ شَيْئًا مِنْهَا مَنْقُولًا لِأَحَدٍ، ثُمَّ بَعْدَ كِتَابَتِي لِذَلِكَ رَاجَعْتُ كِتَابَ الْفَجْرِ الْمُنِيرِ فِيمَا فُضِّلَ بِهِ الْبَشِيرُ النَّذِيرُ لِلشَّيْخِ تاج الدين بن الفاكهاني المالكي فَوَجَدْتُهُ قَالَ فِيهِ مَا نَصُّهُ: رُوِّينَا فِي التِّرْمِذِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ» يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ عَلَى الدَّوَامِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ مُحَالٌ عَادَةً أَنْ يَخْلُوَ الْوُجُودُ كُلُّهُ مِنْ وَاحِدٍ مُسَلِّمٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، فَإِنْ قُلْتَ: قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «إِلَّا رَدَّ اللَّهُ إِلَيَّ رُوحِي» " لَا يَلْتَئِمُ مَعَ كَوْنِهِ حَيًّا عَلَى الدَّوَامِ بَلْ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ تَتَعَدَّدَ حَيَاتُهُ وَوَفَاتُهُ فِي أَقَلَّ مِنْ سَاعَةٍ، إِذِ الْوُجُودُ لَا يَخْلُو مِنْ مُسَلِّمٍ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ، بَلْ يَتَعَدَّدُ السَّلَامُ عَلَيْهِ فِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ كَثِيرًا، فَالْجَوَابُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِالرُّوحِ هُنَا النُّطْقُ مَجَازًا، فَكَأَنَّهُ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِلَّا رَدَّ اللَّهُ إِلَيَّ نُطْقِي وَهُوَ حَيٌّ عَلَى الدَّوَامِ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ حَيَاتِهِ نُطْقُهُ، فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ يَرُدُّ عَلَيْهِ النُّطْقَ عِنْدَ سَلَامِ كُلِّ مُسَلِّمٍ، وَعَلَاقَةُ الْمَجَازِ أَنَّ النُّطْقَ مِنْ لَازِمِهِ وُجُودُ الرُّوحِ كَمَا أَنَّ الرُّوحَ مِنْ لَازِمِهِ وُجُودُ النُّطْقِ بِالْفِعْلِ أَوِ الْقُوَّةِ، فَعَبَّرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَحَدِ الْمُتَلَازِمَيْنِ عَنِ الْآخَرِ، وَمِمَّا يُحَقِّقُ ذَلِكَ أَنَّ عَوْدَ الرُّوحِ لَا يَكُونُ إِلَّا مَرَّتَيْنِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} [غافر: ١١] هَذَا لَفْظُ كَلَامِ الشَّيْخِ تَاجِ الدِّينِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنَ الْجَوَابِ لَيْسَ وَاحِدًا مِنَ السِّتَّةِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا، فَهُوَ إِنْ سَلِمَ - جَوَابٌ سَابِعٌ - وَعِنْدِي فِيهِ وَقْفَةٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ كَوْنِهِ حَيًّا فِي الْبَرْزَخِ يُمْنَعُ عَنْهُ النُّطْقُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ عِنْدَ سَلَامِ الْمُسَلِّمِ عَلَيْهِ، وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا بَلْ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ الْعَقْلَ وَالنَّقْلَ يَشْهَدَانِ بِخِلَافِهِ، أَمَّا النَّقْلُ فَالْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ عَنْ حَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَالِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ فِي الْبَرْزَخِ مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّهُمْ يَنْطِقُونَ كَيْفَ شَاءُوا لَا يُمْنَعُونَ مِنْ شَيْءٍ، بَلْ وَسَائِرُ الْمُؤْمِنِينَ كَذَلِكَ الشُّهَدَاءُ وَغَيْرُهُمْ يَنْطِقُونَ فِي الْبَرْزَخِ بِمَا شَاءُوا غَيْرَ مَمْنُوعِينَ مِنْ شَيْءٍ، وَلَمْ يَرِدْ أَنَّ أَحَدًا يُمْنَعُ مِنَ النُّطْقِ فِي الْبَرْزَخِ إِلَّا مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ، أَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ بْنُ حَيَّانَ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا عَنْ قيس بن قبيصة قَالَ: قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>