فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ تَجَلَّى لَهُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَنَظَرُوا إِلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ، قَالُوا: سُبْحَانَكَ مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ.
وَأَخْبَرَنَا محمد بن عبد الله وأحمد بن الحسن قَالَ: ثَنَا أبو العباس، ثَنَا محمد بن إسحاق، ثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، ثَنَا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: «سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ أَرْطَاةَ يَخْطُبُ عَلَى مِنْبَرِ الْمَدَائِنِ، فَجَعَلَ يَعِظُنَا حَتَّى بَكَى وَأَبْكَانَا، ثُمَّ قَالَ: كُونُوا كَرَجُلٍ قَالَ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ: يَا بُنَيَّ، أُوصِيكَ أَنْ لَا تُصَلِّيَ صَلَاةً إِلَّا ظَنَنْتَ أَنَّكَ لَا تُصَلِّي بَعْدَهَا غَيْرَهَا حَتَّى تَمُوتَ، وَلَقَدْ سَمِعْتُ فُلَانًا - نَسِيَ عباد اسْمَهُ - مَا بَيْنِي وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً تَرْعُدُ فَرَائِصُهُمْ مِنْ مَخَافَتِهِ، مَا مِنْهُمْ مَلَكٌ تَقْطُرُ دَمْعَةٌ مِنْ عَيْنِهِ إِلَّا وَقَعَتْ مَلَكًا يُسَبِّحُ، قَالَ: وَمَلَائِكَةً سُجُودًا مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَمْ يَرْفَعُوا رُءُوسَهُمْ، وَلَا يَرْفَعُونَهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَرُكُوعًا لَمْ يَرْفَعُوا رُءُوسَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَصُفُوفًا لَمْ يَنْصَرِفُوا عَنْ مَصَافِّهِمْ وَلَا يَنْصَرِفُونَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ تَجَلَّى لَهُمْ رَبُّهُمْ، فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، قَالُوا: سُبْحَانَكَ مَا عَبَدْنَاكَ كَمَا يَنْبَغِي لَكَ. أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ فِي " الْعَظَمَةِ "، وَلَفْظُهُ: فَإِذَا رَفَعُوا وَنَظَرُوا إِلَى وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى قَالُوا: سُبْحَانَكَ مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ» .
وَمِمَّنْ قَالَ بِرُؤْيَةِ الْمَلَائِكَةِ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ الْعَلَامَةُ شمس الدين بن القيم، وقاضي القضاة جلال الدين البلقيني، وَهُوَ الْأَرْجَحُ بِلَا شَكٍّ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَرَاهُ دُونَ سَائِرِ الْمَلَائِكَةِ؛ لِأَنَّهُ وَقَفَ عَلَى الْحَدِيثِ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ رُؤْيَتُهُ، وَلَمْ يَقِفْ عَلَى الْحَدِيثَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي رُؤْيَةِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْعُمُومِ، وَمَشَى عَلَيْهِ أبو إسحاق إسماعيل الصفار البخاري مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، فَإِنِّي رَأَيْتُ فِي أَسْئِلَتِهِ الْمَشْهُورَةِ مَا نَصُّهُ: سُئِلَ عَنِ الْمَلَائِكَةِ هَلْ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ؟ فَأَجَابَ: اعْتِمَادُ وَالِدِي الشَّهِيدِ أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ رَبَّهُمْ سِوَى جِبْرِيلَ، فَإِنَّهُ يَرَى رَبَّهُ مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَرَى أَبَدًا، انْتَهَى.
وَالصَّوَابُ الْعُمُومُ، وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ أَخْرَجَهُ الحاكم فِي " الْمُسْتَدْرَكِ "، وَصَحَّحَهُ مِنْ طَرِيقِ إبراهيم بن سعد، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ علي بن حسين، عَنْ جابر، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تُمَدُّ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَدًّا لِعَظَمَةِ الرَّحْمَنِ، ثُمَّ لَا يَكُونُ لِبَشَرٍ مِنْ بَنِي آدَمَ إِلَّا مَوْضِعُ قَدَمَيْهِ، ثُمَّ أُدْعَى أَوَّلَ النَّاسِ، فَأَخِرُّ سَاجِدًا، ثُمَّ يُؤْذَنُ لِي، فَأَقُومُ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أَخْبَرَنِي هَذَا - لِجِبْرِيلَ وَهُوَ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ، وَاللَّهِ مَا رَآهُ جِبْرِيلُ قَبْلَهَا قَطُّ - أَنَّكَ أَرْسَلْتَهُ إِلَيَّ، قَالَ: وَجِبْرِيلُ سَاكِتٌ لَا يَتَكَلَّمُ حَتَّى يَقُولَ اللَّهُ: صَدَقَ، ثُمَّ يُؤْذَنُ لِي فِي الشَّفَاعَةِ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ عِبَادُكَ عَبَدُوكَ فِي أَطْرَافِ الْأَرْضِ، فَبِذَلِكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ» . قَالَ الحاكم: صَحِيحٌ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute