قَالَ: إِنَّ أَبَا إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَكُنِ اسْمُهُ آزر وَإِنَّمَا كَانَ اسْمُهُ تارح، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وابن المنذر وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طُرُقٍ - بَعْضُهَا صَحِيحٌ - عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: لَيْسَ آزر أَبَا إِبْرَاهِيمَ.
وَأَخْرَجَ ابن المنذر بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي قَوْلِهِ: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ} [الأنعام: ٧٤] ، قَالَ: لَيْسَ آزر بِأَبِيهِ إِنَّمَا هُوَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ تَيْرَحَ - أَوْ تَارَحَ - بْنِ شَارُوخَ بْنِ نَاحُورَ بْنِ فَالِخٍ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ السُّدِّيِّ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ اسْمُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ آزر، فَقَالَ: بَلِ اسْمُهُ تارح، وَقَدْ وُجِّهَ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ بِأَنَّ الْعَرَبَ تُطْلِقُ لَفْظَ الْأَبِ عَلَى الْعَمِّ إِطْلَاقًا شَائِعًا وَإِنْ كَانَ مَجَازًا، وَفِي التَّنْزِيلِ {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [البقرة: ١٣٣] فَأَطْلَقَ عَلَى إِسْمَاعِيلَ لَفْظَ الْأَبِ وَهُوَ عَمُّ يَعْقُوبَ، كَمَا أَطْلَقَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ جَدُّهُ، أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْجَدُّ أَبٌ، وَيَتْلُو {قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ} [البقرة: ١٣٣] الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ عَنْ أبي العالية فِي قَوْلِهِ: {وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ} [البقرة: ١٣٣] قَالَ: سُمِّيَ الْعَمُّ أَبًا، وَأَخْرَجَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: الْخَالُ وَالِدٌ وَالْعَمُّ وَالِدٌ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ.
فَهَذِهِ أَقْوَالُ السَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي ذَلِكَ، وَيُرَشِّحُهُ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ ابن المنذر فِي تَفْسِيرِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدَ قَالَ: لِمَا أَرَادُوا أَنْ يُلْقُوا إِبْرَاهِيمَ فِي النَّارِ جَعَلُوا يَجْمَعُونَ الْحَطَبَ حَتَّى أَنْ كَانَتِ الْعَجُوزُ لَتَجْمَعُ الْحَطَبَ، فَلَمَّا أَنْ أَرَادُوا أَنْ يُلْقُوهُ فِي النَّارِ قَالَ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَلَمَّا أَلْقَوْهُ قَالَ اللَّهُ: {يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء: ٦٩] فَقَالَ عَمُّ إِبْرَاهِيمَ: مِنْ أَجْلِي دَفَعَ عَنْهُ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ شَرَارَةً مِنَ النَّارِ فَوَقَعَتْ عَلَى قَدَمِهِ فَأَحْرَقَتْهُ، فَقَدْ صَرَّحَ فِي هَذَا الْأَثَرِ بِعَمِّ إِبْرَاهِيمَ، وَفِيهِ فَائِدَةٌ أُخْرَى، وَهُوَ أَنَّهُ هَلَكَ فِي أَيَّامِ إِلْقَاءِ إِبْرَاهِيمَ فِي النَّارِ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي الْقُرْآنِ بِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ تَرَكَ الِاسْتِغْفَارَ لَهُ لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ، وَوَرَدَتِ الْآثَارُ بِأَنَّ ذَلِكَ تَبَيَّنَ لَهُ لَمَّا مَاتَ مُشْرِكًا وَأَنَّهُ لَمْ يَسْتَغْفِرْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ.
أَخْرُجُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا زَالَ إِبْرَاهِيمُ يَسْتَغْفِرُ لِأَبِيهِ حَتَّى مَاتَ، فَلَمَّا مَاتَ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ فَلَمْ يَسْتَغْفِرْ لَهُ، وَأَخْرَجَ عَنْ محمد بن كعب وقتادة وَمُجَاهِدٍ والحسن وَغَيْرِهِمْ قَالُوا: كَانَ يَرْجُوهُ فِي حَيَاتِهِ فَلَمَّا مَاتَ عَلَى شِرْكِهِ تَبَرَّأَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute