بن عمرو بن نفيل وَأَقْرَانِهِ، فَلِهَذَا خَصَّصَ الصِّدِّيقَ بِالذِّكْرِ عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ، انْتَهَى كَلَامُ السبكي.
قُلْتُ: وَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي حَقِّ أَبَوَيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُمَا لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُمَا حَالَةُ كُفْرٍ بِاللَّهِ، فَلَعَلَّ حَالَهُمَا كَحَالِ زيد بن عمرو بن نفيل، وَأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَأَضْرَابِهِمَا، مَعَ أَنَّ الصِّدِّيقَ وزيد بن عمرو إِنَّمَا حَصَلَ لَهُمَا التَّحَنُّفُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِبَرَكَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّهُمَا كَانَا صَدِيقَيْنِ لَهُ قَبْلَ الْبَعْثَةِ، وَكَانَا يُوَادَّانِهِ كَثِيرًا، فَأَبَوَاهُ أَوْلَى بِعَوْدِ بَرَكَتِهِ عَلَيْهِمَا وَحِفْظِهِمَا مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ.
فَإِنْ قُلْتَ: بَقِيَتْ عُقْدَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ: ( «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ أَبِي؟ قَالَ: فِي النَّارِ، فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ» ) ، وَحَدِيثُ مُسْلِمٍ وأبي داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَأْذَنَ فِي الِاسْتِغْفَارِ لِأُمِّهِ فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ» ، فَاحْلُلْ هَذِهِ الْعُقْدَةَ.
قُلْتُ: عَلَى الرَّأْسِ وَالْعَيْنِ، الْجَوَابُ: أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ وَهِيَ قَوْلُهُ: «إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ» ، لَمْ يَتَّفِقْ عَلَى ذِكْرِهَا الرُّوَاةُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثابت عَنْ أَنَسٍ، وَهِيَ الطَّرِيقُ الَّتِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْهَا، وَقَدْ خَالَفَهُ معمر عَنْ ثابت فَلَمْ يَذْكُرْ: «إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ» ، وَلَكِنْ قَالَ لَهُ: «إِذَا مَرَرْتَ بِقَبْرِ كَافِرٍ فَبَشِّرْهُ بِالنَّارِ» ، وَهَذَا اللَّفْظُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى وَالِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَمْرٍ الْبَتَّةَ، وَهُوَ أَثْبَتُ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ، فَإِنَّ معمرا أَثْبَتُ مِنْ حماد، فَإِنَّ حمادا تُكُلِّمَ فِي حِفْظِهِ وَوَقَعَ فِي أَحَادِيثِهِ مَنَاكِيرُ ذَكَرُوا أَنَّ رَبِيبَهُ دَسَّهَا فِي كُتُبِهِ، وَكَانَ حماد لَا يَحْفَظُ فَحَدَّثَ بِهَا فَوَهِمَ فِيهَا، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُخَرِّجْ لَهُ الْبُخَارِيُّ شَيْئًا، وَلَا خَرَّجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي الْأُصُولِ إِلَّا مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ ثابت، قَالَ الحاكم فِي الْمَدْخَلِ: مَا خَرَّجَ مُسْلِمٌ لحماد فِي الْأُصُولِ إِلَّا مِنْ حَدِيثِهِ عَنْ ثابت، وَقَدْ خَرَّجَ لَهُ فِي الشَّوَاهِدِ عَنْ طَائِفَةٍ، وَأَمَّا معمر فَلَمْ يُتَكَلَّمْ فِي حِفْظِهِ وَلَا اسْتُنْكِرَ شَيْءٌ مِنْ حَدِيثِهِ، وَاتَّفَقَ عَلَى التَّخْرِيجِ لَهُ الشَّيْخَانِ فَكَانَ لَفْظُهُ أَثْبَتَ، ثُمَّ وَجَدْنَا الْحَدِيثَ وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ بِمِثْلِ لَفْظِ رِوَايَةِ معمر عَنْ ثابت عَنْ أَنَسٍ، فَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ إبراهيم بن سعد عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ: ( «أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيْنَ أَبِي؟ قَالَ: فِي النَّارِ، قَالَ: فَأَيْنَ أَبُوكَ؟ قَالَ: حَيْثُمَا مَرَرْتَ بِقَبْرِ كَافِرٍ فَبَشِّرْهُ بِالنَّارِ» ) وَهَذَا إِسْنَادٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، فَتَعَيَّنَ الِاعْتِمَادُ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ وَتَقْدِيمُهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ زَادَ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي آخِرِهِ قَالَ: فَأَسْلَمَ الْأَعْرَابِيُّ بَعْدُ فَقَالَ: «لَقَدْ كَلَّفَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَعَبًا، مَا مَرَرْتُ بِقَبْرِ كَافِرٍ إِلَّا بَشَّرْتُهُ بِالنَّارِ» ، وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ إبراهيم بن سعد عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سالم عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ( «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبِي كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute