للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَجْهُ الثَّانِي: لَمَّا كَانَ مُدَبِّرُ الْهَيْكَلِ وَاحِدًا وَهُوَ الرُّوحُ عَلِمْنَا أَنَّ مُدَبِّرَ هَذَا الْعَالَمِ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي تَدْبِيرِهِ، وَلَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ لَهُ شَرِيكٌ فِي مُلْكِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: ٢٢] وَقَالَ تَعَالَى: {لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا} [الإسراء: ٤٢ - ٤٣] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [المؤمنون: ٩١] .

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: لَمَّا كَانَ هَذَا الْجَسَدُ لَا يَتَحَرَّكُ إِلَّا بِإِرَادَةِ الرُّوحِ وَتَحْرِيكِهَا لَهُ عَلِمْنَا أَنَّهُ مُرِيدٌ لِمَا هُوَ كَائِنٌ فِي كَوْنِهِ لَا يَتَحَرَّكُ مُتَحَرِّكٌ بِخَيْرٍ أَوْ شَرٍّ إِلَّا بِتَقْدِيرِهِ وَإِرَادَتِهِ وَقَضَائِهِ.

الْوَجْهُ الرَّابِعُ: لَمَّا كَانَ لَا يَتَحَرَّكُ فِي الْجَسَدِ شَيْءٌ إِلَّا بِعِلْمِ الرُّوحِ وَشُعُورِهَا بِهِ لَا يَخْفَى عَلَى الرُّوحِ مِنْ حَرَكَاتِ الْجَسَدِ وَسَكَنَاتِهِ شَيْءٌ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ.

الْوَجْهُ الْخَامِسُ: لَمَّا كَانَ هَذَا الْجَسَدُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ أَقْرَبَ إِلَى الرُّوحِ مِنْ شَيْءٍ، بَلْ هُوَ قَرِيبٌ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ فِي الْجَسَدِ، عَلِمْنَا أَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ، لَيْسَ شَيْءٌ أَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ، وَلَا شَيْءٌ أَبْعَدَ إِلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ وَلَا بِمَعْنَى قُرْبِ الْمَسَافَةِ؛ لِأَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ.

الْوَجْهُ السَّادِسُ: لَمَّا كَانَ الرُّوحُ مَوْجُودًا قَبْلَ وُجُودِ الْجَسَدِ وَيَكُونُ مَوْجُودًا بَعْدَ عَدَمِ الْجَسَدِ عَلِمْنَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَوْجُودٌ قَبْلَ كَوْنِ خَلْقِهِ، وَيَكُونُ مَوْجُودًا بَعْدَ فَقْدِ خَلْقِهِ مَا زَالَ وَلَا يَزَالُ وَتَقَدَّسَ عَنِ الزَّوَالِ.

الْوَجْهُ السَّابِعُ: لَمَّا كَانَ الرُّوحُ فِي الْجَسَدِ لَا يُعْرَفُ لَهُ كَيْفِيَّةٌ عَلِمْنَا أَنَّهُ مُقَدَّسٌ عَنِ الْكَيْفِيَّةِ.

الْوَجْهُ الثَّامِنُ: لَمَّا كَانَ الرُّوحُ فِي الْجَسَدِ لَا يُعْلَمُ لَهُ أَيْنِيَّةٌ عَلِمْنَا أَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنِ الْكَيْفِيَّةِ وَالْأَيْنِيَّةِ فَلَا يُوصَفُ بِأَيْنَ وَلَا كَيْفَ بَلِ الرُّوحُ مَوْجُودَةٌ فِي كُلِّ الْجَسَدِ مَا خَلَا مِنْهَا شَيْءٌ مِنَ الْجَسَدِ، وَكَذَلِكَ الْحَقُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَوْجُودٌ فِي كُلِّ مَكَانٍ مَا خَلَا مِنْهُ مَكَانٌ وَتَنَزَّهَ عَنِ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>