للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَهْلِ قَرَارٍ لَيْسُوا بِأَهْلِ عَمُودٍ يَنْتَقِلُونَ فَأَمِّرْ عَلَيْهِمْ أَمِيرًا ثُمَّ مُرْهُ فَلْيُجَمِّعْ بِهِمْ، وَأَخْرَجَ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ فَقَالَ: كُلُّ مَدِينَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ فِي جَمَاعَةٍ وَعَلَيْهِمْ أَمِيرٌ أُمِرُوا بِالْجُمُعَةِ فَلْيُجَمِّعْ بِهِمْ، فَإِنَّ أَهْلَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ وَمَدَائِنِ مِصْرَ وَمَدَائِنِ سَوَاحِلِهَا كَانُوا يُجَمِّعُونَ الْجُمُعَةَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ بِأَمْرِهِمَا وَفِيهِمَا رِجَالٌ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَأَخْرَجَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الَّذِي سُئِلَ عَنِ الْقُرَى الَّتِي بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ مَا تَرَى فِي الْجُمُعَةِ فِيهَا؟ قَالَ: نَعَمْ إِذَا كَانَ عَلَيْهِمْ أَمِيرٌ فَلْيُجَمِّعْ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ أَيْضًا أَنَّهَا ذُكِرَتْ لِبَيَانِ الْمَكَانِ الصَّالِحِ لَا الْعَدَدِ الْحَاضِرِ أَنَّ فِي حَدِيثِ جابر الَّذِي اسْتَدَلُّوا بِهِ لِلْأَرْبَعِينَ عَطْفًا عَلَى جُمُعَةٍ وَفِطْرٍ وَأَضْحَى، فَلَوْ كَانَ الْحَدِيثُ لِبَيَانِ اشْتِرَاطِ الْأَرْبَعِينَ فِي الْجُمُعَةِ وَأَنَّهَا لَا تَصِحُّ مِمَّنْ دُونَهُمْ لَلَزِمَ مِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى، فَكَانَ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهِمَا حُضُورُ الْأَرْبَعِينَ وَلَا يَصِحَّانِ مِمَّنْ دُونَهُمْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ الْمَكَانِ الَّذِي يَصْلُحُ لِمَشْرُوعِيَّةِ إِقَامَةِ الْجُمُعَةِ وَالْأَعْيَادِ فِيهِ بِحَيْثُ يُؤْمَرُ أَهْلُهُ بِذَلِكَ وَبِالِاجْتِمَاعِ لَهُ، ثُمَّ أَيُّ جَمْعٍ أَقَامَ الْجُمُعَةَ صَحَّ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَأَيُّ جَمْعٍ أَقَامَ الْأَعْيَادَ صَحَّ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَيْضًا التَّعْبِيرُ (بِفِي) حَيْثُ قِيلَ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ جُمُعَةٌ دُونَ (مِنْ) وَسَائِرِ حُرُوفِ الْجَرِّ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَدَدِ إِيقَاعُهَا فِيهِمْ لَا مِنْهُمْ وَلَا بُدَّ، وَذَلِكَ صَادِقٌ بِأَيِّ جَمْعٍ أَقَامُوهَا فِي بَلَدٍ اسْتَوْطَنَهُ أَرْبَعُونَ، وَهَذَا اسْتِنْبَاطٌ حَسَنٌ دَقِيقٌ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَحَادِيثَ وَالْآثَارَ دَلَّتْ عَلَى اشْتِرَاطِ إِقَامَتِهَا فِي بَلَدٍ يَسْكُنُهُ عَدَدٌ كَثِيرٌ بِحَيْثُ يَصْلُحُ أَنْ يُسَمَّى بَلَدًا، وَلَمْ تَدُلَّ عَلَى اشْتِرَاطِ ذَلِكَ الْعَدَدِ بِعَيْنِهِ فِي حُضُورِهَا لِتَنْعَقِدَ، بَلْ أَيُّ جَمْعٍ أَقَامُوهَا صَحَّتْ بِهِمْ، وَأَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ غَيْرُ الْإِمَامِ فَتَنْعَقِدُ بِأَرْبَعَةٍ أَحَدُهُمُ الْإِمَامُ، هَذَا مَا أَدَّانِي الِاجْتِهَادُ إِلَى تَرْجِيحِهِ، وَقَدْ رَجَّحَ هَذَا الْقَوْلَ المزني كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْقُوتِ وَكَفَى بِهِ سَلَفًا فِي تَرْجِيحِهِ، فَإِنَّهُ مِنْ كِبَارِ الْآخِذِينَ عَنِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَمِنْ كِبَارِ رُوَاةِ كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ، وَقَدْ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إِلَى تَرْجِيحِ الْقَوْلِ الْقَدِيمِ، وَرَجَّحَهُ أَيْضًا مِنْ أَصْحَابِنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْأَشْرَافِ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ النووي فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي: قَالَ المزني: احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِمَا لَا يُثْبِتُهُ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ جَمَّعَ بِأَرْبَعِينَ انْتَهَى، وَهَذَا هُوَ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ الرافعي فِي الشَّرْحِ، وَقَالَ الْحَافِظُ ابن حجر فِي تَخْرِيجِهِ: لَمْ أَرَهُ، ثُمَّ أَوْرَدَ حَدِيثَ كعب وَقَالَ: إِنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَقَدْ قُدِحَ فِي حَدِيثِ كعب بِأَنَّهُ مُضْطَرِبٌ لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ ; لِأَنَّهُ يَرْوِي تَارَةً أَنَّ مصعبا

<<  <  ج: ص:  >  >>