يَرِدْ هَذَا الْوَصْفُ فِيهَا. وَأَمَا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ إِطْلَاقِ " أَفْعَلِ " التَّفْضِيلِ فِي حَقِّ اللَّهِ إِلَّا مَا وَرَدَ مِثْلُ أَكْبَرُ وَأَحْسَنُ الْخَالِقِينَ لِمَا يُشْعِرُ بِالْمُشَارَكَةِ. وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَصْفُ الْحَمْدِ الْمُثْبَتِ لِلَّهِ بِالْأَكْمَلِيَّةِ وَالْبُلُوغِ نِهَايَةَ التَّمَامِ لَا وَصْفُ اللَّهِ بِذَلِكَ. وَأَمَّا رَابِعًا فَلِأَنَّ الْعُلَمَاءَ عَبَّرُوا بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَصْفٌ لِلْحَمْدِ لَا لِلَّهِ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ النووي فِي " الْمِنْهَاجِ ": أَحْمَدُهُ أَبْلَغَ حَمْدٍ وَأَكْمَلَهُ وَأَزْكَاهُ وَأَشْمَلَهُ -فَأَتَى بِالْجَمِيعِ صِفَاتٍ لِلْحَمْدِ وَمَصَادِرَ لَهُ. وَقَوْلُ الشَّيْخِ: أَنَّهُ نَظِيرُ قَوْلِكَ: مَرَرْتُ بِالرَّجُلِ قَائِمِ الْأَبِ -مُخَالِفٌ لِقَوَاعِدِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ ; الْأَوَّلُ: أَنَّ هَذَا التَّرْكِيبَ فَاسِدٌ لَا يَقُولُ أَحَدٌ بِصِحَّتِهِ ; لِأَنَّ " الرَّجُلَ " مُعَرَّفَةٌ، " وَقَائِمِ الْأَبِ " نَكِرَةٌ، فَإِنَّ إِضَافَتَهُ لَفْظِيَّةٌ لَا تُفِيدُ التَّعْرِيفَ، فَلَا يَصِحُّ وَصْفُ الرَّجُلِ بِهِ، وَإِنَّمَا تُوصَفُ بِهِ النَّكِرَةُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: ٩٥] وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يُقَالَ مَثَلًا بِرَجُلٍ قَائِمِ الْأَبِ، وَحِينَئِذٍ تَسْتَحِيلُ الْمَسْأَلَةُ، وَكَذَا مَرَرْتُ بِالرَّجُلِ حَسَنِ الْوَجْهِ.
الثَّانِي: مَا قَالَهُ مِنَ التَّحْوِيلِ وَالْإِضَافَةِ إِلَى الْمَرْفُوعِ لَا يَجُوزُ فِي اسْمِ الْفَاعِلِ إِجْمَاعًا بَلْ هُوَ مِنْ خَوَاصِّ الصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ، وَأُلْحِقَ بِهَا فِي ذَلِكَ اسْمُ الْمَفْعُولِ، نَصَّ عَلَيْهِ ابن مالك فِي كُتُبِهِ، وَقَالَ فِي " الْأَلْفِيَّةِ ": وَقَدْ يُضَافُ ذَا - أَيِ اسْمُ الْمَفْعُولِ- إِلَى اسْمٍ مُرْتَفِعٍ مَعْنًى كَمَحْمُودِ الْمَقَاصِدِ الْوَرِعِ. وَقَالَ فِي " شَرْحِ الْكَافِيَةِ ": تَفَرَّدَ اسْمُ الْمَفْعُولِ بِجَوَازِ إِضَافَتِهِ إِلَى مَا هُوَ مَرْفُوعٌ مَعْنًى، نَحْوُ: زَيْدٌ يَكْسُو الْعَبْدَ وَمَحْمُودُ الْمَقَاصِدِ. وَقَالَ أبو حيان فِي " شَرْحِ التَّسْهِيلِ ": انْفَرَدَ اسْمُ الْمَفْعُولِ بِجَوَازِ إِضَافَتِهِ إِلَى مَرْفُوعٍ بِخِلَافِ اسْمِ الْفَاعِلِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إِضَافَتُهُ إِلَى فَاعِلِهِ، لَا تَقُولُ فِي: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ ضَارِبٍ أَبُوهُ زَيْدًا بِرَجُلٍ ضَارِبٍ أَبِيهِ زَيْدًا. قَالَ: الصَّحِيحُ أَنَّهَا أَيْضًا فِي اسْمِ الْمَفْعُولِ إِضَافَةٌ مِنْ مَنْصُوبٍ لَا مِنْ مَرْفُوعٍ. الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ: أَصْلُهُ أَكْمَلَ حَمْدَهُ- يُؤَدِّي إِلَى اسْتِعْمَالِ " أَكْمَلَ " مَقْطُوعًا عَنِ الْإِضَافَةِ، وَمِنْ وَهُوَ أَمْرٌ لَا يُعْرَفُ فِي أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ. الرَّابِعُ: أَنَّ قَوْلَهُ أَنَّ الْأَصْلَ: أَكْمَلَ حَمْدُهُ، وَأَنَّ الْحَمْدَ فَاعِلٌ، وَأَنَّهُ حُوِّلَ عَنِ الْفَاعِلِيَّةِ ثُمَّ أُضِيفَ إِلَيْهِ، فَاسْتَتَرَ الضَّمِيرُ -غَفْلَةٌ عَظِيمَةٌ عَنْ قَوَاعِدِ الْعَرَبِيَّةِ، فَإِنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ لَا يَرْفَعُ الظَّاهِرَ أَصْلًا إِلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْكُحْلِ، وَهَذَا الْمِثَالُ لَيْسَ مِنْ ضَابِطِهَا بِالْإِجْمَاعِ، فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ بِلَا نِزَاعٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute