الْعُلُوِّ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ} [القصص: ٤] هَكَذَا ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ " عَلَى " اسْتَكْمَلَتْ أَقْسَامَ الْكَلِمَةِ، وَلَمْ يَذْكُرُوا غَيْرَهَا، وَقَدِ اسْتَدْرَكْتُ عَلَيْهِمْ قَدِيمًا لَفْظَتَيْنِ أَيْضًا:
الْأُولَى: " مِنْ " فَإِنَّهَا تَكُونُ حَرْفَ جَرٍّ وَفِعْلَ أَمْرٍ مِنْ مَانَ يَمِينُ وَاسْمًا، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي " الْكَشَّافِ " فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ} [البقرة: ٢٢] إِذَا كَانَتْ " مِنْ " لِلتَّبْعِيضِ، فَهِيَ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ بِهِ، وَرِزْقًا مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ، وَلَكُمْ مَفْعُولٌ بِهِ لِرِزْقًا ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَصْدَرٌ. قَالَ الطيبي: وَإِذَا قَدَّرْتَ " مِنْ " مَفْعُولًا كَانَتِ اسْمًا كَ " عَنْ " فِي قَوْلِهِ: مِنْ عَنْ يَمِينِي مَرَّةً وَأَمَامِي.
الثَّانِيَةُ: " فِي " فَإِنَّهَا تَقَعُ حَرْفَ جَرٍّ، وَاسْمًا بِمَعْنَى الْفَمِ فِي حَالَةِ الْجَرِّ، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ» ". وَفِعْلَ أَمْرٍ مِنَ الْوَفَاءِ بِإِشْبَاعٍ، وَقَوْلُهُ: وَأَيُّ شَكْلٍ إِلَى آخِرِهِ هَذَا أَمْرٌ يَتَعَلَّقُ بِعِلْمِ الْمَنْطِقِ، وَهُوَ عِلْمٌ حَرَامٌ خَبِيثٌ لَا أَخُوضُ فِيهِ، وَقَدْ سُئِلَ الشرف بن المقري بِأَسْئِلَةٍ نَظَمَ فِيهَا:
وَمَا عَكْسُ السَّوَالِبِ يَا مُرَجِّي ... أَيِ الْجُزْئِيُّ مِنْهَا فِي النِّظَامِ
فَأَجَابَ عَنِ الْأَسْئِلَةِ بَيْتًا بَيْتًا، وَقَالَ فِي هَذَا الْبَيْتِ:
وَعَنْ عَكْسِ السَّوَالِبِ لَا تَسَلْنِي ... فَذَاكَ مُقَدَّمُ الْعِلْمِ الْحَرَامِ
قَوْلُهُ: وَأَيُّ بَيْتٍ عَلَى بَحْرَيْنِ مُنْتَظِمٍ هَذَا نَوْعٌ مَعْرُوفٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَدِيعِ يُسَمَّى التَّشْرِيعَ، أَوَّلُ مَنِ اخْتَرَعَهُ الحريري، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْبَيْتُ مَبْنِيًّا عَلَى بَحْرَيْنِ وَقَافِيَتَيْنِ يَصِحُّ الْوُقُوفُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا كَقَوْلِهِ:
يَا طَالِبَ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ إِنَّهَا ... شَرَكُ الرَّدَى وَقَرَارَةُ الْأَكْدَارِ
دَارٌ مَتَى مَا أَضْحَكَتْ فِي يَوْمِهَا ... أَبْكَتْ غَدًا بُعْدًا لَهَا مِنْ دَارِ
فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ:
يَا طَالِبَ الدُّنْيَا إِنَّهَا شَرَكُ الرَّدَى ... دَارٌ مَتَى مَا أَضْحَكَتْ فِي يَوْمِهَا أَبْكَتْ غَدًا
قَوْلُهُ: " وَأَيُّ مَيْتٍ " إِلَى آخِرِهِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ مَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا} [البقرة: ٢٨]