للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّلَامُ: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: ٢٦] فَإِنَّهَا عَامَّةٌ؟ أَوْ بِهَلَاكِهِ مَعَ مَنْ هَلَكَ بِدُعَاءِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الْكَافِرِينَ؟ فَمَا هَذَا الَّذِي وَقَعَ لِلْبَغَوِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ مِنَ ادِّعَائِهِ اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَى هَلَاكِهِ عَلَى يَدِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً} [المائدة: ٢٦] الْآيَةَ وَلِغَيْرِهِ كالثعلبي مِنَ ادِّعَاءِ الْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ، وَهَلْ كَانَ طُولُهُ هَذَا الطُّولَ الْعَظِيمَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ وَهُوَ ثَلَاثَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَثَلَثُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ ذِرَاعًا وَثُلُثُ ذِرَاعٍ؟ أَوْ كَانَ كَآحَادِ بَنِي آدَمَ؟ فَإِنْ كَانَ طُولُهُ مَا ذُكِرَ فَمَا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ: " «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ سِتُّونَ ذِرَاعًا ثُمَّ لَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الْآنَ» " وَهَلْ وُجِدَ مِنَ الْبَشَرِ مِنْ قَوْمِ عَادٍ أَوْ غَيْرِهِمْ مَنْ كَانَ طُولُهُ أَكْثَرَ مِنْ سِتِّينَ ذِرَاعًا أَوْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ؟ فَإِنَّ بَعْضَ النَّاسِ تَمَسَّكَ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَقَالَ: لَا يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ مِنَ الْبَشَرِ خَلْقٌ أَطْوَلُ مِنْ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَنَفَى وُجُودَ ابن عنق مِنَ الْأَصْلِ وَقَالَ: لَمْ يُوجَدْ فِي الْعَالَمِ شَخْصٌ اسْمُهُ هَذَا الِاسْمُ، وَادَّعَى أَنَّ جَمِيعَ مَا وَقَعَ لِلْمُفَسِّرِينَ فِي تَفَاسِيرِهِمْ مِنْ ذَلِكَ كَذِبٌ وَاخْتِلَاقٌ. وَالْمَسْئُولُ بَسَطَ الْجَوَابَ وَالْكَلَامَ عَلَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ أَوَّلًا، وَهَلِ الْآيَةُ وَالْحَدِيثُ مِنَ الْعَامِّ الَّذِي لَمْ يُخَصَّ وَبَقِيَ عَلَى عُمُومِهِ لِعَدَمِ الْمُخَصِّصِ أَمْ لَا؟ وَذَكَرَ مَا وَقَعَ لِلْمُفَسِّرِينَ فِي ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الْبَسْطِ وَالْإِيضَاحِ وَذَكَرَ الصَّوَابَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَهَلْ تَعَرَّضَ أَحَدٌ لِضَبْطِهِ وَضَبْطِ اسْمِهِ؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ أَثَابَكُمُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ.

الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى. قَالَ الْعَلَّامَةُ شمس الدين ابن القيم فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى - بِالْمَنَارِ الْمُنِيفِ فِي الصَّحِيحِ وَالضَّعِيفِ -: مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يُعْرَفُ بِهَا كَوْنُ الْحَدِيثِ مَوْضُوعًا أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَقُومُ الشَّوَاهِدُ الصَّحِيحَةُ عَلَى بُطْلَانِهِ كَحَدِيثِ عوج بن عنق الطَّوِيلِ الَّذِي قَصَدَ وَاضِعُهُ الطَّعْنَ فِي أَخْبَارِ الْأَنْبِيَاءِ، فَإِنَّهُمْ يُخْبِرُونَ عَلَى هَذِهِ الْأَخْبَارِ، فَإِنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ طُولَهُ كَانَ ثَلَاثَةَ آلَافِ ذِرَاعٍ وَثَلَثَمِائَةٍ وَثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ وَثُلُثًا، وَأَنَّ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا خَوَّفَهُ الْغَرَقَ قَالَ لَهُ: احْمِلْنِي فِي قَصْعَتِكَ هَذِهِ، وَأَنَّ الطُّوفَانَ لَمْ يَصِلْ إِلَى كَعْبِهِ، وَأَنَّهُ خَاضَ الْبَحْرَ فَوَصَلَ إِلَى حُجْزَتِهِ، وَأَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ الْحُوتَ مِنْ قَرَارِ الْبَحْرِ فَيَشْوِيهِ فِي عَيْنِ الشَّمْسِ، وَأَنَّهُ قَلَعَ صَخْرَةً عَظِيمَةً عَلَى قَدْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>