للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّلَاةُ لَا يُتَطَوَّعُ فِيهَا، فَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّى مَرَّةً وَأَعَادَهَا فِي جَمَاعَةٍ لَمْ تُسْتَحَبَّ أَيْضًا فِي أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حُضُورُ الْآخَرِينَ قَبْلَ الدَّفْنِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَا يُشْتَرَطُ ظُهُورُ الْمَيِّتِ، وَخَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْحَالَتَيْنِ، أَمَّا قَبْلَ الدَّفْنِ فَلِأَنَّ عِنْدَهُ لَا يُصَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ مَرَّتَيْنِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلِأَنَّ عِنْدَهُ لَا يُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ إِلَّا إِذَا دُفِنَ وَلَمْ يَصُلِّ عَلَيْهِ، وَسَاعَدَ أَبَا حَنِيفَةَ مالك فِي الْفَصْلَيْنِ - هَذَا كَلَامُ الرافعي، وَقَالَ النووي فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: إِذَا صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ جَمَاعَةٌ أَوْ وَاحِدٌ ثُمَّ صَلَّتْ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ أُخْرَى فَصَلَاةُ الْجَمِيعِ تَقَعُ فَرْضًا، قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ: تَنْوِي الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ بِصَلَاتِهِمُ الْفَرْضَ لِأَنَّ فِعْلَ غَيْرِهِمْ أَسْقَطَ عَنْهُمُ الْحَرَجَ لَا الْفَرْضَ، وَبَسَطَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا بَسْطًا حَسَنًا، فَقَالَ: إِذَا صَلَّى عَلَى الْمَيِّتِ جَمْعٌ يَقَعُ الِاكْتِفَاءُ بِبَعْضِهِمْ، فَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْأَئِمَّةُ أَنَّ صَلَاةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تَقَعُ فَرِيضَةً، إِذْ لَيْسَ بَعْضُهُمْ بِأَوْلَى بِوَصْفِهِ بِالْقِيَامِ بِالْفَرْضِ مِنْ بَعْضِهِمْ، فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِالْفَرْضِيَّةِ لِلْجَمِيعِ، قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ هُوَ كَإِيصَالِ الْمُتَوَضِّئِ الْمَاءَ إِلَى رَأْسِهِ دَفْعَةً، وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْجَمِيعَ فَرْضٌ أَمِ الْفَرْضُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ فَقَطْ، وَلَكِنْ قَدْ يَتَخَيَّلُ الْفَطِنُ فَرْقًا وَيَقُولُ مَرْتَبَةُ الْفَرْضِيَّةِ فَوْقَ مَرْتَبَةِ السُّنَّةِ، وَكُلُّ مُصَلٍّ فِي الْجَمْعِ الْكَثِيرِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُحْرَمَ رُتْبَةَ الْفَرْضِيَّةِ وَقَدْ قَامَ بِمَا أُمِرَ بِهِ، وَهَذَا لَطِيفٌ لَا يَقَعُ مِثْلُهُ فِي الْمَسْحِ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ الْأَئِمَّةُ إِذَا صَلَّتْ طَائِفَةٌ ثَانِيَةٌ كَانَ كَصَلَاتِهِمْ مَعَ الْأَوَّلِينَ فِي جَمَاعَةٍ وَاحِدَةٍ - هَذَا كَلَامُ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَأَقَرَّهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ قَبْلَ ذَلِكَ مَا نَصُّهُ: إِذَا حَضَرَ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ إِنْسَانٌ لَمْ يَكُنْ صَلَّى عَلَيْهِ أَوْ جَمَاعَةٌ صَلَّوْا عَلَيْهِ وَكَانَتْ صَلَاتُهُمْ فَرْضَ كِفَايَةٍ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُصَلِّي عَلَيْهِ طَائِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِأَنَّهُ لَا يُتَنَفَّلُ بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَلَا يُصَلِّيهَا طَائِفَةٌ بَعْدَ طَائِفَةٍ، وَالْجَوَابُ مَنْعُ كَوْنِ صَلَاةِ الثَّانِيَةِ نَافِلَةً بَلْ هِيَ عِنْدَنَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، قَالَ: فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ تَقَعُ صَلَاةُ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ فَرْضًا وَلَوْ تَرَكُوهَا لَمْ يَأْثَمُوا وَلَيْسَ هَذَا شَأْنَ الْفُرُوضِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ابْتِدَاءُ الشَّيْءِ لَيْسَ بِفَرْضٍ، فَإِذَا دُخِلَ فِيهِ صَارَ فَرْضًا كَمَا إِذَا دُخِلَ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ وَكَمَا فِي الْوَاجِبِ عَلَى التَّخْيِيرِ بِخِصَالِ الْكَفَّارَةِ، وَلِأَنَّ الطَّائِفَةَ الْأُولَى لَوْ كَانَتْ أَلْفًا أَوْ أُلُوفًا وَقَعَتْ صَلَاةُ جَمِيعِهِمْ فَرْضًا بِالِاتِّفَاقِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْفَرْضَ كَانَ يَسْقُطُ بِبَعْضِهِمْ وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ: إِنَّ الْفَرْضَ يَسْقُطُ بِأَرْبَعَةٍ مِنْهُمْ عَلَى الْإِبْهَامِ وَالْبَاقُونَ مُتَنَفِّلُونَ، قَالَ: فَإِنْ قِيلَ قَدْ وَقَعَ فِي كَلَامِ كَثِيرٍ مِنَ الْأَصْحَابِ أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ إِذَا فَعَلَهُ مَنْ تَحْصُلُ بِهِ الْكِفَايَةُ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنِ الْبَاقِينَ، وَإِذَا سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُ كَيْفَ قُلْتُمْ تَقَعُ صَلَاةُ الثَّانِيَةِ فَرْضًا؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ عِبَارَةَ الْمُحَقِّقِينَ سَقَطَ الْحَرَجُ

<<  <  ج: ص:  >  >>