للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ تَلَخَّصَ مِمَّا سُقْنَاهُ مِنَ النُّقُولِ عِدَّةُ مَسَالِكَ فِي التَّعْلِيلِ، الْمَسْلَكُ الْأَوَّلُ: الْقِيَاسُ عَلَى فِعْلِ الطَّائِفَةِ الْأُولَى. وَالْمَسْلَكُ الثَّانِي: الْقِيَاسُ عَلَى أَفْرَادِ الطَّائِفَةِ الْأُولَى إِذَا كَانَتْ عَدَدًا كَثِيرًا زِيَادَةً عَمَّا يُسْقِطُ الْفَرْضَ، فَإِنَّ فِعْلَ كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٌ مِنْهُمْ يُوصَفُ بِأَنَّهُ فَرْضٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَا يُقَالُ إِنَّ الْفَرْضَ فِعْلُ بَعْضٍ مِنْهُمْ وَالْبَاقِيَ نَفْلٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ تَحَكُّمٌ؛ إِذْ لَيْسَ بَعْضُهُمْ بِأَوْلَى بِالْوَصْفِ بِالْفَرْضِيَّةِ مِنْ بَعْضٍ. الْمَسْلَكُ الثَّالِثُ: الْقِيَاسُ عَلَى حَجِّ التَّطَوُّعِ فَإِنَّهُ يَكُونُ ابْتِدَاؤُهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ، فَإِذَا دُخِلَ فِيهِ صَارَ فَرْضًا، وَلَا يُسْتَنْكَرُ هَذَا فَلَهُ نَظِيرٌ فِي الْجِهَادِ، فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ الْقِتَالُ إِذَا شَرَعَ فِيهِ وَحَضَرَ الصَّفَّ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ وَحَرُمَ عَلَيْهِ الِانْصِرَافُ. الْمَسْلَكُ الرَّابِعُ: الْقِيَاسُ عَلَى الْمُكَفِّرِ إِذَا أَتَى بِجَمِيعِ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ عَلَى التَّرْتِيبِ فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَى الْكُلِّ ثَوَابَ الْوَاجِبِ مَعَ أَنَّ الْوُجُوبَ سَقَطَ بِالْخَصْلَةِ الْأُولَى، وَإِنَّمَا قُلْنَا فِي صُورَةِ الْمُكَفِّرِ: أَنَّهُ يُثَابُ عَلَى الْجَمِيعِ ثَوَابَ الْوَاجِبِ ; لِأَنَّهُ لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى فَرْدٍ مِنْهَا لَا يُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ الْوَاجِبِ، فَانْضِمَامُ غَيْرِهِ إِلَيْهِ لَا يُنْقِصُهُ عَنْهُ. الْمَسْلَكُ الْخَامِسُ: الْقِيَاسُ عَلَى رَدِّ السَّلَامِ، فَإِنَّهُ إِذَا رَدَّ وَاحِدٌ جَازَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَرُدَّ وَيَكُونُ قَبْلَهُ فَرْضًا وَلَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ نَفْلٌ؛ لِأَنَّ رَدَّ السَّلَامِ لَا تَطَوُّعَ فِيهِ. الْمَسْلَكُ السَّادِسُ: مَنْعُ قَوْلِ الْخُصُومِ أَنَّ الْفَرْضَ سَقَطَ بِالْأَوَّلِينَ وَإِنَّمَا السَّاقِطُ حَرَجُهُ لَا هُوَ، فَفَرْقٌ بَيْنَ سُقُوطِ الْحَرَجِ الَّذِي كَانَ يَلْحَقُ الْأُمَّةَ لَوْ تُرِكَ وَبَيْنَ سُقُوطِ الْفَرْضِ. الْمَسْلَكُ السَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ سُقُوطِ الْفَرْضِ فَرْقٌ بَيْنَ سُقُوطِهِ حَقِيقَةً وَبَيْنَ سُقُوطِهِ حُكْمًا، وَفِعْلُ الْأَوَّلِينَ إِنَّمَا أَسْقَطَ الْفَرْضَ عَنْ غَيْرِهِمْ حُكْمًا وَلَمْ يُسْقِطْهُ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ حَقِيقَةً بِفِعْلِهِمْ هُمْ، فَإِذَا فَعَلُوهُ ثَانِيًا سَقَطَ عَنْهُمْ حَقِيقَةً، فَوَصَفَ فِعْلَهُمْ بِأَنَّهُ أَسْقَطَ الْفَرْضَ عَنْهُمْ حَقِيقَةً، وَهَذَا الْمَسْلَكُ عِنْدِي أَقْوَى الْمَسَالِكِ وَأَدَقُّهَا وَأَقْطَعُهَا لِلنِّزَاعِ، وَكَيْفَ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ وَهُوَ مَسْلَكُ الشَّيْخِ أبي إسحاق إِمَامِ عَصْرِهِ فِي الْمُنَاظَرَةِ وَالْجَدَلِ غَيْرَ مُدَافَعٍ. الْمَسْلَكُ الثَّامِنُ: الْقِيَاسُ عَلَى مَنْ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَعَادَهَا فِي جَمَاعَةٍ، فَإِنَّ أَحَدَ الْأَقْوَالِ فِيهَا أَنَّهُمَا جَمِيعًا يَقَعَانِ عَنِ الْفَرْضِ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْفَرْضَ الْأُولَى قَالَ إِنَّهُ يَنْوِي بِالثَّانِيَةِ الْفَرْضَ فَكَذَلِكَ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ. الْمَسْلَكُ التَّاسِعُ: تَقْرِيرُ قَاعِدَةٍ مُهِمَّةٍ وَذَلِكَ أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ اخْتُلِفَ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْبَعْضِ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ؟ أَوْ وَاجِبٌ عَلَى الْكُلِّ وَيَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ؟ فَإِنْ قُلْنَا: هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْبَعْضِ فَذَلِكَ الْبَعْضُ الْمُتَّصِفُ بِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ هُوَ الَّذِي قَامَ بِهِ، سَوَاءٌ فَعَلَهُ وَاحِدٌ أَوْ جَمْعٌ عَلَى الْمَعِيَّةِ أَوْ عَلَى التَّرْتِيبِ، وَبِهَذَا يَتَّضِحُ أَنَّ صَلَاةَ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ تُوصَفُ بِالْفَرْضِ قَطْعًا؛ لِأَنَّ مَجْمُوعَ الطَّائِفَتَيْنِ قَدْ قَامَ بِهِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْفَرْضَ مُوَجَّهٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>