وأجاز له بها أبو إسحاق الحبال مسند مصر في وقته ومكثرها.
وسمع بالأسكندرية: من أبي القاسم مهدي بن يونس الوراق، ومن أبي القاسم شعيب بن سعيد وغيرهما.
ووصل إلى الأندلس في صفر من سنة تسعين وأربع مائة وقصد مرسية فاستوطنها وقعد يحدث الناس بجامعها ورحل الناس من البلدان إليه وكثر سماعهم عليه. وكان عالما بالحديث وطرقه، عارفا بعلله وأسماء رجاله ونقلته، يبصر المعدلين منهم والمجرحين، وكان حسن الخط، جيد الضبط، وكتب بخطه علما كثيرا وقيده. وكان حافظا لمصنفات الحديث، قائما عليها، ذاكرا لمتونها وأسانيدها ورواتها، وكتب منها صحيح البخاري في سفر، وصحيح مسلم في سفر. وكان قائما على الكتابين مع مصنف أبي عيسى الترمذي. وكان فاضلا دينا متواضعا حليما وقورا، عاملا عالما. واستقضى بمرسية ثم استعفى عن القضاء فأعفى وأقبل على نشر العلم وبثه وكتب إلينا بإجازة ما رواه بخطه في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة وخمس مائة، وهو أجل من كتب إلينا من شيوخنا ممن لم ألقه.
أخبرنا القاضي أبو علي هذا مكاتبة بخطه وقرأته على القاضي أبي بكر محمد بن عبد الله الناقد قالا: أنشدنا الشيخ الصالح أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار الصيرفي ببغداد قال: أنشدنا أبو عبد الله محمد بن علي الصوري لنفسه:
قل لمن أنكر الحديث وأضحى ... عائبا أهله ومن يدعيه
أبعلمٍ تقول هذا أبن لي ... أم بجهلٍ فالجهل خلق السفيه
أيعاب الذين هم حفظوا الدي ... ن من الترهات والتمويه
وإلى قولهم وما قد رووه ... راجعٌ كل عالم وفقيه
واستشهد القاضي أبو علي رحمه الله في وقعة قتندة بثغر الأندلس يوم الخميس لستٍ بقين من ربيع الأول من سنة أربع عشرة وخمس مائة. وهو يومئذ من أبناء الستين رحمه الله وغفر له.